من فعلها في مطار عدن؟

من فعلها في مطار عدن؟

04 يناير 2021

دخان يتصاعد في مطار عدن بعد التفجير والقصف (30/12/2020/فرانس برس)

+ الخط -

كان من أعراف اللبنانيين الذائعة اتهام إسرائيل بأي واقعة اغتيال أو تفجير في بلدهم، فورا وأوتوماتيكيا. وقد فسّر صحافي الحالة بأن جسم إسرائيل "لبّيس"، فهي عدوٌّ معلن، وسجلّ جرائمها مشهود، واعتداءاتها معلنة. وغداة التفجير المهول الذي شهده ميناء بيروت، في أغسطس/ آب الماضي، سارع بعضهم إلى اتهام إسرائيل (آخرون اتهموا حزب الله). وفي اليمن، ثمّة جماعة الحوثيين (أنصار الله) من الميسور تلبيسها أي جريمةٍ شنيعةٍ تستهدف خصومَها، الحكومة الشرعية والقوات المسلحة التابعة لها والمدنيين في مناطقها، طالما أن الجماعة اقترفت شنائع غير قليلة. ولأن الأمر هكذا، في تقليديّته الرتيبة، كان من طبائع الأمور أن لا يتوقف المسؤولون الرفيعون في الحكومة اليمنية، المشكّلة أخيرا، عن اتهام الحوثيين بمسؤوليةٍ مؤكّدةٍ عن الجريمة التي استهدفت مدرّج مطار عدن وصالته الرئيسية مع وصول الطائرة التي أقلت وزراء الحكومة ورئيسها من الرياض، الأربعاء الماضي. وفي محلّه قول المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إن الهجوم (أوقع 26 ضحية بينهم صحافي ومسؤولون حكوميون) يمثّل جريمة حرب. أما الذي قد يكون في محلّه أو لا يكون فهو قول رئيس الحكومة، معين عبد الملك، في اليوم التالي، إن المؤشّرات الأولية تفيد بأن مليشيات الحوثي تقف وراء العملية، من خلال صواريخ موجّهة. ولا يعود الاستفهام عمّا إذا كان هذا صحيحا أو غير صحيح إلى رغبةٍ في تبرئة الحوثيين الذين يستحقون، في قناعة صاحب هذه السطور، أشنع النعوت، وإنما هي الحاجة إلى تحقيقٍ مهنيٍّ مستقل، ينتهي إلى النتيجة التي أراد عبد الملك التعجيل في إشهارها، أو ينتهي إلى غيرها.
أما وأن لجنة تحقيقٍ في الواقعة، برئاسة وزير الداخلية شكّلها الرئيس عبد ربه هادي، فذلك من الأخبار البالغة الرتابة التي لا تستثير اكتراثا بها، ليس فقط لانعدام الثقة الفادح بأي مؤسساتيةٍ يمنية، وإنما أيضا لأن جرائم بلا عدد شهدها اليمن غير السعيد، في ظل الشرعية القائمة، تشكلّت بصدد بعضها لجانٌ مماثلة، ثم لم نصادف، نحن أصحاب الظن السيئ، أي نتائج كشفت أي مسؤوليةٍ على أي جهة. وفي الوسع أن يؤكّد واحدنا، من دون تحرّز، أن اللجنة المكلفة بشأن جريمة مطار عدن لن تنتهي إلى حقيقةٍ مؤكدة، ولن تهتم بتنوير الرأي العام بمجريات عملها. وفي الوسع أيضا أن يرجَّحَ أن اللجنة هذه لن تسمّي جهةً معينةً بالتقصير وببعض المسؤولية عن الذي جرى، ولن توصي بمحاسبة أحد. ولذلك ليس من التزيّد في شيء القول هنا إن تشكيلها عملٌ نافل، ولو أذاعت، بعد أيام، إن الحوثيين ارتكبوا الجريمة، بصواريخ موجّهة أو بغيرها.
ليس من شغل الصحافي أن يتهم أحدا أو جهةً أو أن يبرئ أحدا أو جهة في أي شأن ذي طبيعة جرمية أو جنائية، فلهذا الأمر أصحابُه من أهل الاختصاص. ومن شواغلنا، نحن العاملين في كتابة تعاليق الصحافة أو إنجاز تقاريرها، أن نراقب أداء أي جهةٍ لها حيثيةٌ في ما يتعلّق بمسار التحقيق أو بإعمال القانون في هذا أو غيره. ومن هذا الباب، وليس غيره ألبتّة، يجوز السؤال عن صحة ما جاءت عليه بعض الصحافة عن عمل مسؤولين من المجلس الانتقالي الجنوبي (خمسة وزراء بين 24 وزيرا في الحكومة) على طمس معالم وآثار للقصف الصاروخي الذي استهدف المطار، لصرف أنظار جهة التحقيق الفنية عن إمكانية الوصول إلى الجُناة الحقيقيين. ولهذا السؤال بعض الوجاهة، بالنظر إلى الحقيقة المعلومة، أن المجلس (المدعوم إماراتيا كما يجري وصفه)، بمسلّحيه وقواته ذات العديد غير الهيّن، هو من يسيطر أمنيا على مدينة عدن، وأنه ظلّ متمسّكا برفض سحب قواته منها شرطا لقبوله في الحكومة، الأمر الذي بقي سببا واضحا لتعثّر تنزيل اتفاق الرياض (بينه وبين الشرعية) الموقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والذي تجدّد توافقٌ بشأنه أخيرا في العاصمة السعودية، عشية تشكيل حكومة عبد الملك، قبل أن تستقبلها الصواريخ في مطار عدن الذي عاد الطيران منه وإليه أمس الأحد، بعد تسريعٍ ملحوظٍ لترميم آثار الاعتداء الآثم.
ولمّا كان المجلس يشهد شدّا وجذبا بين رؤوسٍ حاميةٍ وأخرى معتدلةٍ فيه، بين من يرفضون صيغة المشاركة في الحكومة، ويُؤثرون إعلان عدن عاصمة دولة مستقلة، ومن لا يتحمسون لهذا في الراهن، ولمّا كانت أحوال عدن مختلفةً كثيرا عن أي محافظة أو مدينة في عموم اليمن، على الأصعدة الأمنية والعسكرية تعيينا، وللإمارات يدٌ طولى فيها، فإن إثارة استفهامٍ عمّا إذا كان غير الحوثيين فعلوا جريمة الأربعاء الماضي وجيهة، بل وضرورية ربما.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.