من دبابيس أولبرايت إلى الحسناء مورغان أورتاغوس

10 فبراير 2025
+ الخط -

المرجّح أنه صحيحٌ ما ذاع أنه إيرانيُّ الصنع، وممّا عَثر عليه الجيش اللبناني في مخزنٍ لحزب الله، الصاروخُ الذي نشرت موفدة إدارة الرئيس ترامب إلى لبنان، مورغان أورتاغوس (43 عاماً)، صورتها وهي تحملُه، في مخزنٍ للجيش، وإلى جانبها ضابط لبناني. والظاهر أن الحسناء الأميركية، ملكة جمال المراهقات والحمضيات وزهر الليمون في مرّاتٍ ثلاثٍ سابقاً، تحاول أن تقيم دلالاتٍ للمرموز في أدائها السياسي، فهي تضع في إصبعها خاتماً على هيئة نجمة داود في أثناء لقائها الرئيس جوزاف عون، تدليلاً على هواها الإسرائيلي، وليس تأشيراً إلى اعتناقها المتأخّر الديانة اليهودية، ثم تلتقط تلك الصورة مع ذلك الصاروخ وتنشرها، تشفّياً منها بما صار عليه حزب الله، مع أنها جهَرت بالذي في حواشيها، بمقدارٍ ثقيلٍ من الصلافة، في القصر الجمهوري في بيروت، من دون اعتبارٍ لرمزية المكان الذي قالت فيه ما قالت، لمّا أعلنت "امتنانَها" (وهو امتنان الولايات المتحدة) لإسرائيل على هزيمتها حزب الله، ولمّا أكّدت وجوب أن لا يكون الحزب (بأي شكل!) في الحكومة اللبنانية الجديدة، وأن يظلّ "منزوع السلاح ومهزوماً عسكرياً". وتذكّر هذه اللغة، الصارخة في تخفّف الدبلوماسيين الأميركيين من أي لياقاتٍ، في بلادِنا خصوصاً، بقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندليزا رايس، في غضون العدوان الإسرائيلي في صيف 2006 على لبنان، بابتهاجٍ لم تُحاول إخفاءه، إن شرق أوسطٍ جديداً يتخلّق في هذه الحرب. وتُذكّر أيضاً بما لا يجوز أن يُنسى، أن المسؤول الأميركي لم يعُد في حاجةٍ إلى أن يُظلّل أي كلامٍ مُرسلٍ يُفضي به عن أي شأنٍ عربيٍّ بأي تقاليد بروتوكولية وأعرافٍ أخلاقية، فلمّا قال أنتوني بلينكن، غداة 7 أكتوبر، أمام أصدقائه في إسرائيل إنه لم يأت إليهم وزيراً لخارجية الولايات المتحدة فقط، وإنما يهودياً أيضاً، فهو يُبرق إلى بريد كل مواطنٍ عربيٍّ رسالةً شديدة الوضوح. وهذا دونالد ترامب يُشعرك بأن النوم يجافيه، إذ يُقلقه حال الغزّيين بين أنقاض بيوتهم، من فرط ما يكرّره عن نيّته استملاك أرضهم، وترحيلهم إلى الصومال وغيره، من دون أي اعتبارٍ لحاكمٍ أو شعب عربي.

حدث أن طلبت وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبرايت، من نظيرها البريطاني، إبّان حرب البوسنة، تغيير مستشاريه ومعاونيه، لأنهم لم يوصوه بقراراتٍ يجب اتخاذها تتوافق مع الرؤية الأميركية بشأن تلك الحرب. ولا يشذّ ذلك السلوك عن معهودٍ في أداء مسؤولين كثيرين في عدّة إداراتٍ أميركيةٍ لم يتّصفوا أبداً بالحسّ الأخلاقي اللازم (دع عنك النزاهة والموضوعية)، فما صنعته المبعوثة الأميركية الشابة، في بيروت، موصولٌ بكثيرٍ مما كنّ عليه أسلافٌ لها نساءٌ من قماشتها، قبل نيكي هيلي، شديدة الحماس لإسرائيل، وبعدها. وإذا صحّ في صورة الصاروخ بين يدي المتحدّث عنها، والخاتم إياه في إصبعٍ لها، ما لهما من رمزيةٍ ما، فقد كانت أولبرايت، في الدبابيس (البروش) التي تضعها على ملابسها، تتعمّد معانيَ تتقصّدها. وقد انتظم في متحف الدبلوماسية الأميركية، قبل أعوام، معرضٌ لنحو مائتي دبّوس لها أظهرتها في مناسباتٍ عديدةٍ، قبل تولّيها الخارجية وفي أثنائه. وليس يُنسى أنها اختارت دبّوساً من الذهب على هيئة أفعى، في مقابلتها مسؤولين عراقيين في الأمم المتحدة، لينقلوا تحذيراً منها إلى صدّام حسين. وأظهرت دبّوساً كالسهم، من ألمونيوم، على هيئة صاروخ، على جاكيتها، وهي في محادثاتٍ مع نظيرها الروسي بشأن الأسلحة النووية. ولمّا سألها الأخير ما إذا كان هذا من صواريخ الولايات المتحدة، أجابت بالإيجاب، موضحةً أن بمقدور بلادها صنعها صغيرةً للغاية، وبحسبِها، هذا يعني أن من الأفضل للروس أن يُفاوضوا على هذا الأساس.

منذ ما قبل دبابيس مادلين أولبرايت، ومنها أفعاها تلك، إلى خاتم مورغان أورتاغوس وصاروخ من حزب الله بين يديْها في لبنان، تفوّقت إداراتٌ أميركيةٌ على نفسها بأرطالٍ من التمادي في استصغار الدول العربية، وفي اعتبارها بلادَنا ساحاتٍ للوصاية عليها... وليس يُعرف ماذا بعد.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.