ملاحظات حول الحوار الوطني السوري

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يلقي كلمته في مؤتمر الحوار الوطني (25/2/2025 الأناضول)
الحوار الوطني السوري بين مرحب وناقد. هناك من يرى في الخطوة بداية تستحق التشجيع والثناء والمساندة، وآخر يعتبرها ناقصة ولا تعكس توجهاً جادّاً من السلطة الجديدة إلى المشاركة. وتتركز غالبية الملاحظات على الخلط بين مؤتمر وطني ومؤتمر حوار. وحتى قبل أيام قليلة، لم تكن الصورة واضحة على هذا الصعيد. وهناك من حسب أن المنشود هو الحوار المفتوح، الذي قد يستغرق عدة أشهر، في حين أن السلطة تريد حواراً في عناوين محدّدة، بهدف استكمال تشكيل الهياكل القانونية التي تمكنها من الحكم من دون انتقادات داخلية أو خارجية.
النقطة الثانية التي تردّدت، عدم وجود معايير خاصة بتوجيه دعوات المشاركة في الجلسات الخاصة بالمحافظات والمؤتمر العام على حد سواء. وتحدّث مراقبون عن كثب عن أخطاء تنمّ عن عدم دراية، وسوء تخطيط، وارتجال، وغياب تدقيق، واستشارة، وهذا يعود، في جانب منه، إلى ضعف خبرة اللجنة المكلفة التي وجدت نفسها، بين عشية وضحاها، تنهض بمهمّة ليست من اختصاصها، وعليها إنجازها خلال مهلة قصيرة. ولذلك لم تتمكن من دعوة كفاءاتٍ كثيرة في الداخل والخارج، أو أنها وجهت دعوات في وقت متأخر من دون مراعاة صعوبات الوصول جواً إلى دمشق.
انعكست عملية التسرّع في تنظيم الحوار على النتائج والمقرّرات، التي لم تقدم أجوبة على الأسئلة المطروحة حيال ما يحفل به الوضع السوري من مصاعب وما يعلقه السوريون من آمال على المرحلة الانتقالية، وظهر أن الهدف ليس الوصول إلى مقرّرات يمكن الاعتماد عليها لبناء مؤسّسات الدولة الجديدة بقدر ما هو توجيه رسائل إلى الخارج والداخل بهدف تعزيز شرعية السلطات الجديدة.
بغض النظر عن وجاهة بعض هذه الملاحظات من عدمها، تحمل عملية تنظيم الحوار إيجابيات عديدة. أولها، أنها تشكل مدخلاً إلى مرحلة التحول السوري قبل الشروع في المرحلة الدستورية وتشكيل الحكومة الانتقالية. وهي من دون شك أتاحت للجنة المنظمة إجراء عملية سبر أولية، وتلقي ردود فعل، ويمكن للسلطات أن تستفيد من أخطاء التنظيم من أجل تداركها مستقبلاً، كما أن تفاعل عدد كبير من السوريين مع المؤتمر، إيجاباً أو سلباً، مؤشرٌ مهم إلى اهتمام بالمشاركة ورفض استئثار الأطراف العسكرية، التي أسقطت نظام بشّار الأسد، وهذا أمرٌ، إذا سار على الطريق الصحيح، من شأنه أن يقود سورية في مسار ديمقراطي يحترم الرأي الآخر، الحريص على تصويب المسار والسعي إلى إصلاحه، وليس الاكتفاء بالنقد من وراء البحار.
اهتمام السوريين بانعقاد الحوار، وإقبال أوساط من خلفيات متباينة على المشاركة فيه، مسألة صحية تعكس حرصاً على انطلاق قاطرة سورية الجديدة التي ينتظرها المجتمع السوري بتلهّف شديد، لأن البلد، بكامل محافظاته، يعوّل على نجاح الحكومة المقبلة في إحداث نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي قبل البدء بعملية إعادة الإعمار التي تحتاج إلى مشروع يتجاوز إمكانات سورية اليوم وغدا. وهناك نقطة غاية في الأهمية، وهي إدراك كل من زار البلد وعاين الصعوبات الموجودة أن المناكفة السياسية لا تُجدي ولا توصل إلى نتيجة في ظل غياب تام للقوى السياسية المعارضة، كما أن الطريق مفتوح أمام عملية وضع خريطة للمرحلة المقبلة، ولكنها، كي تبلغ هدفها، تحتاج دراسة متأنية، يقوم بها اختصاصيون وخبراء على معرفة بالبلد وتركيبه الاجتماعي والسياسي والثقافي، المتعدّد، الغني بالكفاءات. وهذا يستدعي من الحكام الجدد سعة صدر، وحكمة في الإدارة، وتوسيع مجال المشاركة السياسية والاقتصادية، والانفتاح على المجتمع السوري، ومن دون ذلك سيبقى البلد يدور في حلقة مفرغة، ويمكن أن ينتكس ويرجع إلى الوراء.

