ملاحظات أولية على اجتماع النقب

ملاحظات أولية على اجتماع النقب

02 ابريل 2022

وزراء خارجية الإمارات وأميركا وإسرائيل والبحرين ومصر والمغرب في النقب (28/3/2022/الأناضول)

+ الخط -

يثير الاجتماع الذي عقد على عجل في منتجع سديه بوكر، في صحراء النقب، يوم الاثنين الماضي (28 مارس/ آذار 2022)، وحضره وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين، تساؤلات عديدة تتعلق بملابسات انعقاده، والأسباب التي دعت إليه، والأهداف التي سعى إلى تحقيقها، وكذلك النتائج الفعلية التي انتهى إليها. كان لافتا للنظر أن يطلق بعض المعلقين على هذا الاجتماع اسم "حلف المطبّعين"، وهي تسمية قد تكون لها وجاهتها لكنها تفتقر إلى الدقّة، وذلك لأن الاجتماع لم تحضره كل الدول العربية التي ترتبط بعلاقات رسمية مع إسرائيل أو أعلنت عزمها على القيام بذلك، فالأردن، على سبيل المثال، والذي يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994، لم يحضر هذا الاجتماع، وكذلك السودان، وهو آخر الدول العربية التي أعلنت رسميا اعتزامها تطبيع علاقتها مع إسرائيل، ووقعت اتفاقية بهذا المعنى يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020.

وإذا كان المقصود من هذا الاجتماع تشكيل حلف سياسي أو عسكري بين إسرائيل والدول العربية المطبّعة للعلاقة معها، بصرف النظر عما إذا كانت ستشارك فيه كل هذه الدول أو بعضها فقط، فمن هو الطرف المستهدف؟ الأرجح أن يكون حلفا في مواجهة إيران التي تصرّ إسرائيل على أن تجعلها عدوا مشتركا لكل دول المنطقة، غير أن هذه الرؤية تفتقر إلى الدقة. صحيحٌ أن إسرائيل تتعامل مع إيران باعتبارها العدو الأخطر، بل وترى فيها مصدر تهديد لوجودها ذاته، وليس لأمنها فقط، وصحيح أيضا أن هناك دولا عربية، كالإمارات والبحرين، ترى في إيران مصدر تهديد رئيسي لأمنها، ولا تمانع التحالف مع إسرائيل في مواجهتها، لكن دولا عربية أخرى كثيرة لا تشارك إسرائيل هذه الرؤية، فالمغرب مثلا، البعيد جغرافيا، لا يبدو منشغلا بإيران، ولا مصلحة واضحة له في استعدائها، وكذلك مصر التي تعمل على تجنّب الدخول في أحلاف عسكرية أو سياسية ضد أحد، بل تعمّد وزير خارجيتها الإدلاء بتصريحاتٍ عقب اجتماع النقب، أكد فيها، بوضوحٍ تام، أن مصر لم تشارك في هذا الاجتماع بغرض إقامة تحالف سياسي أو عسكري ضد أي دولة أخرى داخل المنطقة أو خارجها.

يلفت النظر هنا أن اجتماع النقب رتّب على عجل ولم يكن مخططا له من قبل، بل إن وزير خارجية إسرائيل، الطرف الداعي إليه، بدا شديد الحرص على عقده، إبّان زيارة وزير الخارجية الأميركي إسرائيل. ولأنها زيارة هدفت، في المقام الأول، إلى إقناع إسرائيل بأهمية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي، والعمل على تبديد مخاوفها من هذه العودة، فليس من المستبعد أبدا أن يكون لهذا الاجتماع علاقة مباشرة بالجهود الدؤوبة التي تبذلها إسرائيل لتعطيل إبرام هذا الاتفاق، والحيلولة دون عودة الولايات المتحدة إليه، خصوصا بعد أن أفادت تقارير صحافية عديدة بأن الصيغة النهائية لهذه العودة قد اكتملت، وأن التوقيع عليها بات وشيكا.

عملية دمج إسرائيل في نسيج المنطقة أصبحت تمضي على قدم وساق، وتحرز تقدّما مطّردا

في سياقٍ كهذا، لا أستبعد أن يكون وزير خارجية إسرائيل، والذي لا أشك في أنه كرّر على مسامع نظيره الأميركي رفض إسرائيل القاطع العودة الأميركية إلى هذا الاتفاق، أراد أن يثبت للوزير الأميركي أن إسرائيل ليست وحدها، وإنما تشاركها في موقفها الرافض هذا الاتفاق دول عربية أخرى، وبالتالي هي مصممة على السير في الطريق الذي اختارته لنفسها من دون أن تلوي على شيء، حتى لو اضطرّت للقيام بعمل عسكري منفرد ضد إيران، أو بالتنسيق مع دول أخرى في المنطقة، بل وربما يكون قد أراد، في الوقت نفسه، أن يستمع ممثلو الدول العربية الأربع، وفي حضور الوزير الأميركي، إلى حجم الهوة التي تفصل بين موقفها والموقف الأميركي، وأن يتحققوا بأنفسهم من مدى صلابة الموقف الإسرائيلي في هذا الصدد.

عصافير كثيرة سعت إسرائيل إلى اصطيادها بحجر اجتماع النقب، فلم يكن من قبيل المصادفة أن يعقد هذا الاجتماع في مستوطنة سديه بوكر التي دفن فيها ديفيد بن غوريون، مؤسس دولة إسرائيل، والرجل الذي قرأ بنفسه إعلان قيامها في 14 مايو/ أيار عام 1948، فالمغزى من عقد اجتماع كهذا في هذا المكان بالذات يبدو شديد الوضوح والدلالة، خصوصا أن هذه هي المرّة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يحضر فيها مجموعة كبيرة من الوزراء العرب اجتماعا يعقد في إسرائيل. ومن شأن عقد مثل هذا الاجتماع في المكان الذي دفن فيه مؤسس الدولة الإسرائيلية تذكير قادة الدول العربية بأن الدولة الصغيرة التي سبق أن رفضوا قيامها منذ حوالي 75 عاما أصبحت الدولة الأقوى في المنطقة، وها هم يأتون إليها الآن صاغرين. وعقد هذا المؤتمر بعد عشرين عاما من مبادرةٍ كانوا قد طرحوها بأنفسهم في مؤتمر لقمة عربية في بيروت عام 2002، أبدوا من خلالها مدى استعدادهم لتطبيع علاقاتهم الجماعية مع إسرائيل، إن وافقت الأخيرة على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وعلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، يدلّ، بوضوح، على أن القادة العرب نسوا هذه المبادرة تماما، ولم يعودوا يلزمون أنفسهم بها، بل ويسلمون بأن إسرائيل نجحت في إجهاضها، وأصبحت غير قابلة للإحياء أو إعادة الترميم!

الشعب الفلسطيني ما زال يقاوم ويبدع في وسائل النضال ولم يستسلم، على الرغم من فداحة الظلم الواقع عليه

فها هي الدول العربية لا تكتفي بالهرولة منفردة تجاه التطبيع مع إسرائيل، لكنها أصبحت تتحمّس، في الوقت نفسه، لتنسيق جماعي مشترك معها، ما يعني أن عملية دمج إسرائيل في نسيج المنطقة أصبحت تمضي على قدم وساق، وتحرز تقدّما مطّردا، بصرف النظر عن الموقف الإسرائيلي من القضية الفلسطينية ومن بقية الأراضي العربية التي ما تزال تحتلها.

في المؤتمر الصحافي عقب اجتماع النقب، لفت نظر المراقبين بشدة ما أبداه وزير الخارجية الإماراتي من ندم على فرصة السلام التي أضاعها العرب خلال السنوات الطويلة التي مرّت في أعقاب زيارة أنور السادات القدس، فهل يعني ذلك أن القادة العرب تخلّوا عن فكرة إقامة نظام إقليمي خاص بهم، وباتوا على استعداد للانخراط في نظام شرق أوسطي تقوده إسرائيل؟ القراءة السطحية لما يجري من أحداث على ساحة المنطقة لا تستبعد هذا الاحتمال، غير أن القراءة المدققة لما يجري في الأعماق تقول بغير ذلك، فالكيان الإسرائيلي يزداد وحشيةً وعنصريةً وتطرّفا، ومن ثم تسقط عنه الأقنعة التي تخفّى وراءها طويلا. والشعب الفلسطيني ما زال يقاوم ويبدع في وسائل النضال ولم يستسلم، على الرغم من فداحة الظلم الواقع عليه، والانقسامات الحادّة بين فصائله. والشعوب العربية تدرك أن قادتها المهرولين نحو التطبيع مع إسرائيل لا يعبّرون عنهم ولا يتحدثون باسمهم، وإنما يبحثون عن حماية عروشهم. لذلك كله نعتقد ونؤمن بأن الفجر قادم لامحالة!