مقاربة مقترحة لموقف من الانتخابات الفرنسية

مقاربة مقترحة لموقف من الانتخابات الفرنسية

13 ابريل 2022

أصوات ماكرون ولوبن في الانتخابات الفرنسية الرئاسية على شاشة في باريس (10/4/2022/Getty)

+ الخط -

من بين الأخطاء التي قد ينزلق إليها العقل الجمعي لشعب ما عدم الاكتراث بما يدور خارج حدود بلده، أكان ذلك الخارج بعيداً أم قريباً، مؤثراً جداً أم قليلاً في قضايا الشعب المذكور. شيء من اللامبالاة تلك أمكن ملاحظتها على هامش الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. تقرأ في الصحافة العربية تعليقات مقتبسة من بعض خطابات السياسيين اليساريين الفرنسيين، من قبيل أن المرشحَين المتأهلَين إلى دورة 24 إبريل/ نيسان، إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، يتشابهان في يمينيتهما، وبالتالي فليضرب الله الظالمين بالظالمين وليخرجنا منهم سالمين. أمر مشابه يشيع في موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية. بعضهم يحصر الموقف من الاستحقاقات الكبرى في زوايا قضايا عربية حصرية، وآخرون يضيّقون المنظار أكثر فلا يكترث بيمين ولا بيسار، ويعمم هكذا، بلغة شعبوية، أنّ جميعهم يكرهوننا ويريدون الشرّ لنا.

والحال أنّ فرنسا بلد مؤثر في العالم، قلّ تأثيره بشكل دراماتيكي في العقود الماضية، لكنّه لا يزال فاعلاً، خصوصاً في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. هو بلد ديمقراطي وظل فترة طويلة عاصمة الأحزاب في العالم. بارومتر اليمين واليسار يُقاس هناك. أبرز الانقسامات على حساب البرامج تُرصد في باريس. يمين اليمين مولود فرنسي، ويسار اليسار كذلك، وفكرة الوسط ويمينه ويسراه، وإن كانت قديمة، لكنّها عرفت ترجماتها الحرفية في فرنسا. يقف ماكرون ولوبان اليوم ليدليا بآخر ما لديهما من دون حسابات كثيرة. الأول يتباهى بأنه قتل فكرة اليمين واليسار ودفن أحزابهما التقليدية، سرق من المعسكرين رموزاً وأفكاراً وبرامج ومشاريع وخطابات، لا يتردد في إثبات أنّه رئيس الأغنياء والمصرفيين، شاب متعجرف ومغرور، يصعب أن تجد عنده فكرة لامعة خارج إطار كوكب رجال الأعمال ومصطلحاتهم، يريد مكانة لفرنسا لم تعد تمتلك مقوماتها، هو أطلسي أوروبي طامح بجيش خاص بالقارة العجوز، لا مشكلة لديه في تدعيم مواقع أعتى الديكتاتوريات في "العالم الثالث" إذا كان ذلك يخدم مصالح فرنسا. انحيازه فاضح لإسرائيل وإن حافظ على الموقف التقليدي للدبلوماسية الفرنسية حيال ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 لا مستوطنات فيها. تنافسه سيدة اليمين الفاشي ابنة الفاشي جان ماري لوبان. صارت فاشيتها "عادية" بفضل إريك زيمور الذي جعلها تبدو كأنها معتدلة. ثالث انتخابات تخوضها جعلتها بالفعل تخفف من منسوب التطرف لكي توسّع دائرة ناخبيها، وبالفعل صرتَ تراها تلتقط صور "سيلفي" مع مواطنين ومواطنات من ذوي البشرة السوداء. لكن ذلك لا يغير حقيقة أن السيدة هي رمز لخطاب الكراهية والتعصّب والانعزال والعنصرية تجاه كلّ ما هو غير فرنسي، ثم غير مسيحي، وأخيراً غير أبيض ــ أشقر. العولمة عندها شر مطلق، والعالم العربي تفضل أن يهتم به شخص كفلاديمير بوتين الذي كانت تربطها به علاقة ودّ وربما صداقة وتحالف، وإن لم يكن بوتين الأفضل لضبط الغوغاء عندنا، فليكن بشار الأسد. حساسيتها تجاه قضايا المناخ والبيئة هي من الأضعف بين المرشّحين الـ12، فتخفيف الغازات المنبعثة من المصانع ليس سوى مؤامرة ضد الاقتصاد الفرنسي مثلما تفهم مارين لوبان بلدها والعالم.

إذاً، يمينية مارين لوبان ليست هي نفسها يمينية إيمانويل ماكرون، لا في المنطلق ولا في الخلفية ولا الغاية. وفي حال تساوت مواقف مرشحَين حيال قضايا بلداننا، وهو ما ليس عليه الحال بين ماكرون ولوبان، لمَ لا يكون المعيار الأخلاقي هو الفيصل لحماستنا لهذا أو لتلك؟ الاختيار بين السيئ والأسوأ هو خيار سياسي ضروري في حالات كثيرة كتلك الحاصلة اليوم في فرنسا، مثلما حدث أيام التفضيل بين دونالد ترامب وجو بايدن.

إنّ الانحياز ضد الفاشية والعنصرية والكراهية والتعصب والتقرب من طغاة بوزن فلاديمير بوتين وبشار الأسد وتعويم آخرين من صنف عبد الفتاح السيسي، ومناهضتنا سياسيين لا يبالون بخطر زوال البشرية بفعل التغير المناخي مثلاً، هو موقف أخلاقي يعبّد طريق انتقالنا من موقع التظلم والبكائيات وإثارة شفقة العالم، إلى مركز الفاعل والمؤثر والمحاسِب.

أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري