مفاوضات برنامج إيران النووي

مفاوضات برنامج إيران النووي وآفاق التصعيد بين إسرائيل وإيران

16 يونيو 2022

جلسة مفاوضات غربية إيرانية بشأن الملف النووي الإيراني في فيينا (15/4/2021/الأناضول)

+ الخط -

مع تعثّر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني في فيينا، تصاعدت "حرب الظل" التي تخوضها إسرائيل من جانب واحد تقريبًا ضد إيران، وتزايدت الهجمات في الداخل الإيراني، وشهدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة ضد الوجود الإيراني في سورية، أيضًا، تصعيدًا كبيرًا، في حزيران/ يونيو 2022، بعد أن استهدفت مطار دمشق الدولي، وأخرجته من الخدمة على نحو كامل تقريبًا. وخلافًا لما كان عليه الحال طوال العام الماضي، حين كانت واشنطن تضغط على إسرائيل لتتجنّب القيام بما من شأنه تخريب مفاوضات فيينا، يبدو أن النشاط الإسرائيلي ضد إيران يجري هذه المرّة بغضّ طرفٍ أميركي، وربما بضوء أخضر أميركي؛ إذ تستخدمه واشنطن لهدف آخر غير الهدف الإسرائيلي منه، أي بوصفه أداة ضغط لدفع إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات والقبول بمسوّدة الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مطلع آذار/ مارس 2022 في فيينا. وفي حين تزداد الضغوط على إيران أمنيًا، تستمر الجهود التي تُبذَل لتوطيد العلاقات الأمنية والعسكرية بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، حيث نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أنباءً عن وضع إسرائيل منظومات رادار في الإمارات والبحرين لرصد أي هجمات إيرانية محتملة، كما يجري الحديث عن جهود تبذلها واشنطن لتشكيل منظومة دفاع إقليمي بقيادةٍ أميركية تضم دولًا عربية إلى جانب إسرائيل لمواجهة إيران.

تعثر مفاوضات الاتفاق النووي

بعد ما نحو عام على مفاوضات إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" المعروفة إعلاميًا باسم الاتفاق النووي الإيراني، بدا، بحسب مصادر متعدّدة، أن مسودةَ اتفاقٍ باتت ممكنة في مطلع آذار/ مارس 2022. تضمّنت التزام إيران بوقف عمل أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي شغلتها لرفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وتخزين هذه الأجهزة في مستودعاتٍ داخل إيران تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية، ونقل الكميات الإضافية من اليورانيوم المخصّب بنسب تزيد على المسموح به بموجب الاتفاق إلى خارج إيران. في المقابل، ترفع واشنطن الجزء الأكبر من الـ 1500 عقوبة المتصلة بالبرنامج النووي، والتي فرضتها إدارة دونالد ترامب على إيران في إطار سياسة "الضغوط القصوى"، والإفراج عن الأرصدة والأموال الإيرانية المجمّدة في مصارف حول العالم بموجب تعميماتٍ صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية. ورغم أن هذا الاتفاق يعدّ أضعف من الاتفاق الأصلي الذي انسحبت منه إدارة ترامب في أيار/ مايو 2018، فإنّ إدارة جو بايدن تعتبره خيارًا أفضل لإعادة القيود على برنامج إيران النووي، وتجنّب التورط في حرب جديدة في المنطقة.

النشاط الإسرائيلي ضد إيران يجري هذه المرّة بغضّ طرفٍ أميركي، وربما بضوء أخضر أميركي

ولتشجيع إيران على العودة إلى الاتفاق، أزالت إدارة بايدن بعض العقوبات ذات الطابع التقني عن إيران، والتي كانت إدارة ترامب فرضتها عليها. لكن موجة التفاؤل التي سرت في آذار/ مارس الماضي عن قرب التوصل إلى اتفاق، لم تلبث أن انحسرت، وحلّت محلّها أجواء من التوتر مع تزايد احتمال انهيار المفاوضات. وفي تقدير الطرفين، تعوق التوصل إلى اتفاق مسألتان: تتصل الأولى بطلب إيران تقديم واشنطن ضمانات بأن أي إدارة أميركية قادمة لن تنسحب من الاتفاق مجدّدًا، كما فعلت إدارة ترامب. وتتعلق الثانية بطلب إيران رفع الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب الأميركية. وتجادل إدارة بايدن بأنها غير قادرة، من الناحيتين القانونية والسياسية، على إلزام أي إدارة أميركية قادمة بأي سياسة، بما في ذلك احترام الاتفاق. أما بخصوص رفع اسم الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب، فترى إدارة بايدن أن وضع هذا الموضوع على طاولة المفاوضات في اللحظة الأخيرة يهدّد بانهيار الاتفاق باعتبار أن موضوع الحرس لا علاقة له بالمفاوضات النووية، وأن إيران التي كانت ترفض مناقشة أي موضوع إلى جانب برنامجها النووي لا تستطيع أن تثير قضية غير متصلة به من جهتها. بناء عليه، توقفت المفاوضات منذ 11 آذار/ مارس 2022 وبات مصيرها محلّ تساؤل كبير، خصوصا بعد أن حسم الرئيس بايدن أمره بشأن عدم رفع اسم الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب، رغم ورود تقارير سابقة تتحدّث عن استعداده للنظر في المسألة. 

 التصعيد ضد إيران

رغم أن الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية سواء في سورية أو داخل إيران نفسها، استمرّت في أثناء المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، فإن هذه الهجمات شهدت تصعيدًا كبيرًا في الأسابيع الأخيرة مع انحسار التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق في فيينا. ويرجّح أن التصعيد الإسرائيلي يحظى، هذه المرّة، بمباركة أميركية، ذلك أن الولايات المتحدة كانت قد حذّرت، في مناسبات سابقة، إسرائيل من الإضرار بمفاوضات فيينا. إلا أن تعثر المفاوضات ربما دفع واشنطن إلى غضّ الطرف عن التصعيد الإسرائيلي الذي شمل أهدافًا إيرانية في سورية وداخل إيران أيضًا، وجاء مدفوعًا بعوامل عدة، أهمها:

1. ازدياد مستوى الوجود العسكري الإيراني في سورية نتيجة حرب أوكرانيا، وذلك بعد أن اضطرّت روسيا إلى سحب بعض وحداتها القتالية، ونقلها إلى ساحات المعارك في إقليم دونباس الذي تسعى إلى السيطرة عليه في أوكرانيا. ويرجّح أيضًا أنّ قدرة روسيا على فرض قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل في سورية قد ضعفت بعد أن أغلقت تركيا في نيسان/ أبريل 2022 مجالها الجوي أمام حركة الطيران الروسية، وكانت أنقرة قيّدت سابقًا حركة السفن الحربية الروسية من البحر الأسود وإليه، على نحوٍ صعّب إرسال أيّ تعزيزاتٍ عسكريةٍ روسيةٍ إلى سورية عند الحاجة. وأدّى هذا الأمر إلى تنامي النفوذ الإيراني في سورية وزيادة نشاطه، حيث بدأت إيران تحاول أن تملأ الفراغ الذي تتركه القوات الروسية، ورافقت ذلك زيادة كبيرة في عمليات نقل السلاح الإيراني إلى سورية، الأمر الذي استخدمته إسرائيل ذريعةً لضرب مطار دمشق الدولي وإخراجه من الخدمة على نحوٍ كامل. ورغم أنّ إسرائيل استهدفت أطراف المطار والمنشآت العسكرية التابعة له عدة مرات خلال السنوات الماضية، بذريعة اعتراض شحنات أسلحة قادمة من إيران في اتجاه حزب الله، فإنها تقوم بإخراج المطار المدني من الخدمة، أول مرة، حيث جرى تدمير مدرّجات هبوط الطائرات وبرج المراقبة وأجزاء من صالة الركاب، وقد اعتبرت هذه الضربة تحولًا عميقًا في مستوى الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية. 

موجة التفاؤل التي سرت في مارس الماضي عن قرب التوصل إلى اتفاق، لم تلبث أن انحسرت، وحلّت محلّها أجواء من التوتر مع تزايد احتمال انهيار المفاوضات

 

2. تبرّر إسرائيل تصعيدها في الداخل الإيراني بأن إيران التي سرّعت كثيرًا عمليات تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق (وصولًا إلى 60%) وطوّرت أجيالا جديدة من أجهزة الطرد المركزي، باتت أقرب إلى إمكانية تصنيع سلاح نووي من أي وقت مضى، وأنها ماضية في جهود منع إيران من تحقيق هذا الهدف، عبر استهداف بنيتها التحتية بالتخريب، فضلًا عن تنفيذ اغتيالات تستهدف العلماء والخبراء الإيرانيين. ومنذ الصيف الماضي، وجّهت إسرائيل عدة ضربات استهدفت منشآتٍ نووية إيرانية، شملت ثلاث هجمات كبيرة تعرّضت لها منشأة نطنز؛ فقد وقعت الأولى في تموز/ يوليو 2020، حيث أتى حريق هائل على جزء كبير من منشأة لإنتاج أجهزة التخصيب، وحصلت الثانية في نيسان/ أبريل 2021، حيث وقع انفجار قوي، دمّر بالكامل نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذّي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، ووقع التفجير الثالث في كانون الأول/ ديسمبر 2021. كما قامت إسرائيل بسلسلة اغتيالات استهدفت علماء إيرانيين، أبرزهم محسن فخري زادة، الذي يعدّ "أب البرنامج النووي الإيراني"، وقد جرى اغتياله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

3. رفعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، منذ وصولها إلى السلطة في حزيران/ يونيو 2021، مستوى الهجمات داخل إيران ونطاقها، والتي اتسعت لتشمل، إلى جانب البرنامج النووي، قدرات إيران الصاروخية ومصانع طائراتها المسيّرة ومنشآت البنية التحتية المدنية فضلًا عن أنها استهدفت ضباطًا كبارًا في الحرس الثوري وعلماء إيرانيين متخصّصين في صناعة الصواريخ والطائرات المسيّرة. ونُفِّذت أبرز الهجمات الإسرائيلية داخل إيران بطائرات مسيّرة، وأدت إلى تدمير أحد أكبر المصانع التي يديرها الحرس الثوري لإنتاج الطائرات المسيّرة في كرمنشاه غرب إيران، في شباط/ فبراير 2022. وتذكُر تقارير أن الهجوم أدّى إلى تدمير المصنع، فضلًا عن الطائرات التي كانت مخزّنة فيه. وقد جاءت هذه الهجمات في إطار استراتيجية جديدة تقوم على نقل المعركة إلى داخل إيران، بدلًا من الاقتصار على مواجهتها في ساحات نفوذها في سورية والعراق ولبنان. 

إنشاء تحالف أمني عربي - إسرائيلي

بالتوازي مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أبوظبي، في 9 حزيران/ يونيو 2022، اعتمد الكونغرس الأميركي مشروع قرار طلب فيه من وزارة الدفاع العمل على دمج إسرائيل وعدد من الدول العربية في نظام دفاع صاروخي لمواجهة إيران. وكانت محاولات إنشاء تحالف أمني إسرائيلي عربي بدأت منذ أن تمّ نقل إسرائيل من القيادة الأوروبية إلى القيادة المركزية للقوات الأميركية في أيلول/ سبتمبر 2021، بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" بين إسرائيل وكلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب. وبلغت هذه المحاولات ذروتها في الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين في كيبوتس "سديه بوكير" في النقب يومَي 27 و28 آذار/ مارس 2022. 

إخراج إسرائيل لمطار دمشق الدولي من الخدمة يعدّ تحولًا عميقًا في مستوى الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية

وتتفاوت حماسة الدول العربية ذات العلاقة إزاء مقترح إنشاء تحالف دفاعي مع إسرائيل، إذ تبدو الإمارات الأشدّ تحمسًا في هذا الاتجاه. وتدل على ذلك ظواهر عديدة تميّز العلاقات بين البلدين لناحية الرؤى المشتركة بخصوص طبيعة القوى في المنطقة، وحتى بشأن القضية الفلسطينية، وليس فقط الموقف من إيران. ومن المؤشّرات على تكثيف التنسيق الأمني عدد الزيارات التي يقوم بها مسؤولون أمنيون إسرائيليون إلى الإمارات، خصوصًا، بغرض تعزيز علاقات الطرفين في المجالين، الأمني والدفاعي، بما يشمل تطوير الإنتاج الأمني والعسكري المشترك، وبناء نظام متقدّم للدفاع ضد الطائرات من دون طيار، وتصميم وتصنيع قوارب غير مأهولة قادرة على تنفيذ هجمات مضادّة للغواصات. وقد تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، أخيرا، عن نشر منظومات رادار في الإمارات والبحرين لرصد أي هجمات إيرانية محتملة. وتعتبر إيران أن توطيد العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية موجَّه ضدها بالأساس، كما تعتبر أيّ وجود عسكري إسرائيلي في الخليج عملًا عدائيًا يستهدف تطويقها، بعد أن وطّدت إسرائيل علاقاتها العسكرية مع أذربيجان في الشمال، في حين تواجه إيران وجودًا استخباراتيًا إسرائيليًا مكثفًا في كردستان العراق، حيث قامت إيران في آذار/ مارس الماضي بقصف صاروخي استهدف ما قالت إنّه مقر للموساد الإسرائيلي في أربيل، استُخدم لشنّ هجوم على مصنع طائرات إيرانية مسيّرة في كرمنشاه. ويفترض أن يكون هذا الوجود الاستخباري الإسرائيلي على الأراضي العراقية مشكلة عراقية قبل أن يكون مشكلة إيرانية.

خاتمة

مع تعثّر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، تزداد حدّة حرب الظل التي تخوضها إسرائيل في مواجهة إيران، بغضّ طرف أميركي. وتشتمل هجمات إسرائيل، في إطار استراتيجية جديدة تهدف إلى نقل المعركة إلى داخل إيران، على أهدافٍ متصلةٍ ببرنامج إيران النووي وبرنامجها الصاروخي وسلاح المسيّرات والبنية التحتية المدنية، إضافة إلى سلسلة اغتيالاتٍ تهدف إلى زعزعة استقرار النظام وإظهاره عاجزًا عن المواجهة. لكن هذه المقاربة تحمل، في طياتها، مخاطرة كبيرة أيضًا؛ لأن إيران قد تندفع في اتجاه امتلاك سلاح نووي، باعتباره السبيل الوحيد لحماية نفسها وردع الهجمات التي تقوم بها إسرائيل ضدّها. لكن هذا التوجه قد يفتح الباب على احتمال مواجهة أكبر وأوسع نطاقًا، في المقابل. الاحتمال الآخر أمام إيران في ظل تصاعد الضغوط عليها وتفاقم أزمتها الاقتصادية هو العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن. وما لم تتوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية الحالية، فالأرجح أنها لن تتوصل إلى اتفاق مع أيّ إدارة قادمة؛ نظرًا إلى أنّ بايدن جعل إحياء اتفاق إيران النووي أحد أهم أولويات إدارته في منطقة الشرق الأوسط، وهو يراه بديلًا واقعيًا من أيّ صراع جديد لا يرغب في دخوله في المنطقة.