مع الوجود الأميركي أم ضده؟

مع الوجود الأميركي أم ضده؟

22 اغسطس 2021
+ الخط -

أُصيب الصلف الأميركي بجرح عميق بعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001، فكان ردّ الفعل عنيفاً ومدوياً، باحتلال دولتين من دول الشرق الأوسط. بدأ الأمر بأفغانستان، حيث نجحت القوات الأميركية في إزاحة حركة طالبان عن الحكم، ونجحت أكثر في تحييد تنظيم القاعدة الذي اضمحل، ولم نعد نسمع منه إلا تسجيلاتٍ نادرة تحوي بعض العبارات الجوفاء لأيمن الظواهري، أحد مستحاثّات التنظيم القديمة. ثم تابعت الولايات المتحدة مسيرتها لاسترداد كرامتها، فأزاحت صدّام حسين عن حكم العراق وأعدمته صبيحة عيد الأضحى. وكان من النتائج المباشرة لهذا الاحتلال وجود تنظيم الدولة الإسلامية الذي نما وترعرع تحت نظر الاحتلال الأميركي، إلى أن وجد فراغاً شاسعاً بعد الربيع العربي، فامتد ووصل إلى تخوم بغداد ودمشق.

كان النجاح في إجهاض تنظيم القاعدة ثمناً لولادة تنظيم مشابه يحمل شراسةً أكبر وأبعد تطرّفاً يدعى "داعش". وما وعته أميركا بوضوح أنّ بناء الديمقراطية عملية مستحيلة عبر إرسال الجنود وتطبيق مجموعة من الإجراءات. وتابعنا في الأيام الماضية انهيار النظام الذي بُني في أفغانستان، أياماً فقط من انسحاب أميركا. أما الديمقراطية في العراق، فقد جعلت بلداً غنياً يمتلك ثرواتٍ لا تنضب، يتسوّل الماء والكهرباء والحد الأدنى من الحياة... لم يكن وضع البلدين اللذين وقعا ضحية لأميركا، جيداً قبل أن تدخلهما، لكنّ عشرين عاماً مرّت أرجعتهما خطواتٍ إلى الوراء، فالاحتلال سبّب كوارث لم يستطع العالم تجنّبها أمام التصميم الأميركي الغاضب، الذي جرّ وراءه حلف الناتو مذعناً ومخفياً امتعاضه، وماضياً إلى جانب القوات الأميركية. ولم تجد دول الجوارين، الأفغاني والعراقي، غير الصمت أو الاعتراض الخجول، واندفعت دول مستفيدة للتأييد والتشجيع، واستسلم الجميع للقيادة الأميركية التي وجدت نفسها، عبر أربعة رؤساء، متردّدة بشأن الخطوة التالية في كلا البلدين. فقد أنجزت المهمة العسكرية بسرعة، وخلّفت ما تابعه الجميع من فظائع، عبر التدمير الهائل الذي رافق العمليات الحربية، وأعادت تمركز قواتها عدة مرّات، وغيّرت من سياساتها مراراً، فيما كان العالم يستعيد رباطة جأشه، ويخرج من جو الغضب والتعاطف مع أميركا، لتبدأ الأصوات المشيرة إلى الخطأ بالتزايد، وتثار الأسئلة بشأن عمليات الغزو نفسها، وجدواها ومدتها، وكذلك نتائجها، ليتبيّن، بعد قليل من الوقت، أنّ الغزو لم يكن يحظى بتأييد حقيقي، حتى ضمن الولايات المتحدة نفسها، فبدأت وعود الرؤساء الأميركيين الذي أتوا بعد جورج بوش بالانسحاب، وترتيب خططه.

تقرّر أميركا اليوم الخروج وتنفذ الخطوة، ويتابع العالم عودة تنظيم طالبان إلى السلطة بأسرع مما خرج منها، فقد استغرق غزو أفغانستان شهرين قبل السيطرة التامة عليها، لكن عودة "طالبان" لم تحتج أكثر من أسبوع، وهذا التنظيم الذي يتمتع بسمعة سيئة، بعد تاريخٍ من السلوكيات المتطرّفة، لا يحظى برضا المجتمع الدولي، ولا رضا غالب الجوار، كان قد وقّع على اتفاقية مع الولايات المتحدة قبل أن تخرج، ما حرّك الرأي العام مرّة أخرى ضد عملية الخروج بهذا الشكل، خصوصاً بعد انتشار صور الهلع الجماعي الذي أصاب الأفغان ومشاهدهم متكدّسين داخل الطائرات، وعلى مدرّجاتها وبين عجلاتها، وقد يُظهر مشهد سقوط البشر المتمسّكين بطائرة الاحتلال مستوى الخوف والتوجس من "طالبان".. ترتفع أصابع الاتهام وظلال من الشك وتأكيد المؤامرة في وجه الخروج الأميركي، وتعود أجواء الامتعاض ذاته الذي انتشر بعيد الغزو، بينما لا تزال أمام الولايات المتحدة خطة جديدة لتقوم بها، وهي الانسحاب من العراق، وهذه خطوةٌ مقبلة، وعلينا أن نستعد لموجة امتعاض جديدة بعد مشاهد غير محبّبة، لا نرجو أن نراها في العراق، لنواجه أمراً محيّراً، وقد يستعصي فهمه، أنّنا لم نرضَ عن الولايات المتحدة عند دخولها العراق وأفغانستان، ولا نشعر بالرضى عن خروجها منهما.