معدن ترامب بعد صفقة أوكرانيا
سيكون 30 إبريل/ نيسان 2025 تاريخاً مفصلياً في علاقة الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. لن تكون الأمور مشابهة للأيام المائة الأولى من ولاية ترامب الثانية، أقلّه أن جلسات ساعات بوتين الطويلة مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف انتهت، أقلّه بصفة الأخير مبعوثاً. قد يكون ما مارسه ترامب، من مشادّته مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 28 فبراير/ شباط الماضي، في البيت الأبيض، إلى جلستهما المباشرة في 26 إبريل الماضي في الفاتيكان، ومن محاباته بوتين مراراً إلى التعبير عن غضبه منه في الأيام الماضية، جزءاً من "خطّة تضليل" فعلت فعلها في موسكو وكييف وبروكسل.
حصل ترامب على ما كان يتمنّى الحصول عليه، صفقة المعادن النادرة مع أوكرانيا، ولو أن نسختها الأخيرة كانت مطابقةً أكثر لشروط كييف. من الآن فصاعداً، وعلى وقع لعبة الكراسي الموسيقية في البيت الأبيض، بدءاً من إقالة مايك والتز من منصبه مستشاراً للأمن القومي، فإن مرحلة ثانية سيُدشّنها ترامب، ضمن ما يحلو وصفه بـ"إتمام الصفقات". سيكون ترامب ما بعد توقيع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا غير ما قبلها. أدرك الأوكرانيون ذلك مبكّراً، خصوصاً إثر استيعابهم الهجمات المتتالية لترامب وفريقه عليهم. فهموا أن ذلك جزءٌ من مراحل إجراء صفقة مع ترامب الذي تمكّن من الإيفاء بوعده لقاعدة جمهورية متشدّدة حيال إنفاق أموال الضرائب خارج الولايات المتحدة. يمكنه التفاخر بأنه قدّم صفقةً من الأفضل في التاريخ الأميركي، تحديداً لتعلقها بالمعادن وحاجة قطاع الصناعة العسكرية الأميركية لها. كذلك، سيباشر ترامب حملة إرضاء لفريق آخر من الجمهوريين، يمثله السيناتور ليندزي غراهام، الممسك بمشروع قانون باسم "قانون معاقبة روسيا"، الذي ينصّ على فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الواردات من الدول التي تستمر في شراء النفط أو الغاز أو اليورانيوم من روسيا، فضلاً عن تصنيف روسيا دولةً راعيةً للإرهاب، ما سيسمح بفرض عقوبات على موسكو. وقد وقّع على مشروع القانون هذا أكثر من 73 سيناتوراً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ، وذلك من أصل مائة عضو (أكثر من ثلثي المجلس)، ما يمنحه أغلبية كافيةً لتجاوز أيّ فيتو رئاسي.
ذريعة ترامب موجودة هنا في إطار موافقته على مشروع غراهام، أحد أبرز حلفائه، وهي الغارات الروسية على الأهداف المدنية في أوكرانيا، خصوصاً في الأسابيع التي تلت اقتراح الرئيس الأميركي في الاتفاق على هدنة بين كييف وموسكو من 30 يوماً، في مارس/ آذار الماضي. ترامب نفسه أبدى "تقزّزه" من الهجمات الروسية، خلال حديثه مع زيلينسكي في الفاتيكان.
في المقابل، تكرار ترامب عبارات التملق لبوتين في الفترة الماضية، مثل "الذكي" و"الماكر" و"المستعدّ لوقف الحرب"، فضلاً عن إيفاد ويتكوف، الروسي الأصل، إلى موسكو، أظهرت ترامب كأنّه في خندق واحد مع روسيا ضدّ أوكرانيا وأوروبا، فضلاً عن شعور فريق بوتين بالراحة بعد سنواتٍ من الغضب الغربي، غير أن شخصاً مثل ترامب سيعمل الآن على حماية مصالحه في أوكرانيا. ولا تتطلب مثل هذه الحماية "ضمانات أمنية" طالبت بها كييف، بل إن مبدأ الحماية نفسه معادل لمفهوم "الضمانات الأمنية"، خصوصاً أن جزءاً لا بأس به من مواقع المعادن منتشرة في المناطق الأوكرانية المحتلة، تحديداً في دونيتسك ولوغانسك (حوض دونباس)، وبدرجة أقلّ في زابوريجيا وخيرسون وشبه جزيرة القرم. هنا، تفهم حاجة ترامب إلى "السلام والازدهار". هو يريد فعلاً وقف الحرب في أوكرانيا، طوال عشر سنوات وهي مدّة الاتفاقية، لكنّه يعلم أيضاً أن المحافظة على الاستثمار الأميركي في أوكرانيا لا يشابه ما حصل في العراق وسورية، حين تحوّل الأميركيون إلى حراسة آبار النفط ومواقع الغاز، في مقابل غرق دمشق وبغداد في حمّامات دم. الوضع في أوكرانيا أكثر اختلافاً، لأن واشنطن باتت على أبواب موسكو. وبوتين لم يتخيّل ذلك يوماً.