معادلة ذات معنى من نبيه برّي
لا مكان لأدوات الجزم تأكيداً لحصول اتفاق بين واشنطن وطهران قريباً أو دفناً للاحتمال. ولكن بناءً على ما هو متاح من معطيات، أمكن ترجيح التوقيع في المديين القريب أو المتوسط. دونالد ترامب والمسؤولون الإسرائيليون واثقون من حصول ذلك قريباً، أما القيادة الإيرانية فقد عَبَرت بسرعة قياسية طريقاً بدأ بـ لا ناهية لخيار الجلوس على طاولة التفاوض مع ممثلي "الشيطان الأكبر"، وانتهى بثلاث جلسات مفاوضات مكثفة في غضون ثلاثة أسابيع. والعبور لم يخلُ من مشاكسة إيرانية كادت تقسم اليمين بأن المفاوضات ستكون غير مباشرة، قبل أن يتبيّن كم أن مجتمع الصحافيين يبالغ أحياناً في تصديق تصريحات مسؤولين إيرانيين، بما أن "تبادلاً للأحاديث" (وهذا تعريف للمحادثات) يجري في كلٍّ من الجولات الثلاث بين رئيسي الوفدين، وزير الخارحية عبّاس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، أكان في مسقط أم في روما. في المحصلة، وسبتاً تلو سبت، ترتفع وتيرة التفاؤل على لسان عراقجي، وقد رست حتى السبت الماضي على صيغة أن "هذه الجولة التفاوضية كانت أكثر جدّية من ذي قبل، وهناك إرادة مشتركة للتوصل إلى نتيجة" وفق الوزير، الذي بدا وكأنه يبرئ فريق ترامب من رجس شيطانيْن: شيطان بنيامين نتنياهو الذي يحاول تخريب مسار المفاوضات المبشّرة بحسب ما يُفهم من تعابيره، من دون أن يُعرف ما إذا كان انفجار ميناء رجائي أحد تعابير هذا التخريب الإسرائيلي وفق نظرية النائب الإيراني محمد سراج، وشيطان من سمّاهم "حلفاء نتنياهو في فريق بايدن المهزوم الذين يصورون خطأً مفاوضاتنا غير المباشرة مع إدارة ترامب بأنها اتفاق نووي جديد".
أما وأنّ مواضيع المفاوضات تقتصر على الملف النووي ورفع العقوبات "ولن نقبل بطرح أي موضوع آخر" (احتفاظ إيران بحق تخصيب اليورانيوم وصواريخها الباليستية ووكلائها في المنطقة)، بحسب لن نافية إيرانية أخرى يكرّرها عراقجي هذه الأيام، وبما أن تصريحات المسؤولين الأميركيين لا توسّع دائرة المطلوب علناً على الأقل إلى خارج حدود منع تحوّل إيران إلى دولة نووية، أمكن الخلوص، بحسبة منطقية بسيطة، إلى أن الطرفين متفقين على المبدأ المسيّر للتفاوض الذي تريده واشنطن سريعاً بينما ترغب طهران بأن يكون بطيئاً يترجم تقليد "دبلوماسية حياكة السجاد" في إيران بعد 1979. في ظل هذه الخلاصة الأولية التي ترجح حصول اتفاق، فإنّ السؤال عن انعكاس اتفاق محتمل بين الطرفين على وكلاء إيران في المنطقة العربية، يبقى ملحاً بقدر ما صار رمزاً للكليشيهات الصحافية الممجوجة.
فهمت إيران حجم الخسارة التي لحقت بها على جميع الجبهات، في الداخل ولبنان وسورية وفلسطين واليمن والعراق. أدرك مسؤولوها على الأرجح نهاية الشق الإمبريالي من مشروعهم (تصدير الثورة وتغيير التركيبة الديمغرافية لمجتمعات عربية وتمتين محور يدين بالولاء لطهران)، ولكن لا جواب عندهم لمعضلة كيفية تصرُّف نظام ثيوقراطي مع ظرف تاريخي يخيّره بين أن يصبح "نظاماً عادياً" لا ثورياً ولا حربياً ولا توسعياً ولا نووياً، أو أن يُطاح بالضربة الأميركية ــ الإسرائيلية القاضية. هو السؤال نفسه الذي يقض مضاجع الوكيل الأول لطهران، أي حزب الله، خصوصاً مع معضلة السلاح ونهاية المشروع. في هذه الغضون، هناك على يسار حزب الله رجل طرح، يوم الجمعة الماضي، معادلة سياسية لها معنى، وهو، للتذكير، المتحدّث السياسي الأساسي باسم حزب الله في أوقات الشدائد، وواجهته أمام العالم الخارجي: "لن نسلّم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من العدو" (الانسحاب من النقاط اللبنانية الخمس ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان)، "فسلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعليّ لاتفاق وقف النار". بكلام آخر، تسليم سلاح الحزب يحصل حين يتوقف التغول الإسرائيلي.
نبيه برّي بهذه المعادلة، ترجم ما قاله رئيس الجمهورية جوزاف عون لـ"العربي الجديد" قبل أسبوعين عن اتفاق الرجلين (برّي وعون) "على كل المواضيع، خصوصاً على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية".