مطار صنعاء مغلقاً أمام المدنيين

مطار صنعاء مغلقاً أمام المدنيين

29 ديسمبر 2021

دمّرت قوات التحالف بقيادة السعودية طائرة على مدرّج مطار صنعاء (21/12/2021/Getty)

+ الخط -

تكشف مشاهد الحرب في اليمن عن سرديةٍ مضاعفةٍ لانتهاك القانون الدولي، إذ تتجاوز الفظاعات التي ترتكبها أطراف الصراع اليمنية والإقليمية قواعد الاشتباك في جبهات الحرب إلى الإضرار المتعمّد بالمدنيين وبكل ممكنات الحياة اليومية، بما في ذلك مظاهر العُمران البشري والأعيان المدنية، إذ يستمدّ كل طرفٍ مشروعية العنف من سلوك خصمه الذي لا يختلف عُنه إجراماً، ومع جُرمية استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيّرة التي تطلقها جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي أدّت، أخيراً، إلى مقتل مدنيين في منطقة جازان، جنوب السعودية، أحدهما مُقيم يمني، فإنّ السعودية اتخذت من هجمات جماعة الحوثي ذريعةً لمعاقبة اليمنيين وتنفيذ جرائمها بحُجة الدفاع عن النفس، إذ حوّلت المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي إلى هدفٍ لقصف طيرانها، ما تسبّب بمقتل وإصابة عشرات آلاف من المدنيين اليمنيين طوال سنوات الحرب، والإضرار بالبُنى التحتية ومرافق الدولة، وصولاً إلى تدمير المطارات المحمية بموجب القانون الدولي، وإذ كان تدمير الأعيان المدنية، إلى جانب قتل المدنيين، الهدف الذي يتنافس الفرقاء لتحقيقه، فإن مطار صنعاء الواقع تحت قبضة جماعة الحوثي ظلّ في مرمى الانتهاك متعدّد الأطراف، إذ تم تدمير مرافقه الحيوية، كما تم تجريده من وظائفه بوصفه ممرّاً إنسانياً، بما في ذلك استثماره ورقة سياسية واقتصادية وإنسانية، ففي سياق التجريف المستمر لمطار صنعاء، والذي يتقاطع مع تصاعد وتيرة الحرب، تحوّل المطار إلى هدف عسكري للسعودية، إذ تعرّضت مرافقه لقصف متكرّر، كما أغلقته أمام الرحلات التجارية والإنسانية منذ بداية الحرب، ثم فتحته جزئياً قبل أكثر من عام للطائرات الأممية فقط، قبل أن تستهدفه أخيراً. في المقابل، حوّلت جماعة الحوثي المسيطرة على صنعاء المطار موقعاً متعدّد الاستخدامات، بعيداً عن وظيفته الإنسانية، كما وظفته سياسياً وإنسانياً للضغط على المجتمع الدولي، ليصبح مطار صنعاء ليس فقط ورقةً تتنازعها أطراف الصراع، وإنّما مسرح لجريمة مُركبة، طرفاها قوة إقليمية عمياء بلا رادع، وقوة محلية مليشياوية.

تطوّرات ملف أزمة مطار صنعاء تكشف العبث واللامسوؤلية اللذين يدير بهما المتصارعون حربهم في اليمن

استهدفت السعودية، في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، مرافق مطار صنعاء، فدُمّر مبنى تابع للهيئة العامة للطيران، لتعلن في اليوم التالي إسقاط المطار من الحماية الدولية، وبرّرت إجراءاتها الجديدة بأن المطار أصبح ثكنة عسكرية لجماعة الحوثي، وموقعاً رصدته لانطلاق الطائرات المسيّرة، فيما أعلنت جماعة الحوثي خروج مطار صنعاء عن الجاهزية، ومن ثم إغلاقه أمام الرحلات الأُممية، محدّدة اشتراطات سياسية واقتصادية جديدة، قبل أن تفتحه مرة أخرى؛ ومع أنّ تطوّرات ملف أزمة مطار صنعاء تكشف العبث واللامسوؤلية اللذين يدير بهما المتصارعون حربهم في اليمن، فإنّ الدلالات السياسية لأزمة المطار، بما في ذلك توقيتها، تؤكّد حرص طرفي الصراع على استدامة الحرب، وذلك بتخليق أزماتٍ جديدة، مع افتقارها إلى السند القانوني والأخلاقي، إذ لا يحقّ للسعودية التي هي طرفٌ إقليمي في الحرب، ولا لأي طرفٍ، إسقاط الأعيان المدنية من الحماية الدولية بذريعة كونه قاعدة عسكرية، وحتى في حال استخدمته جماعة الحوثي قاعدة عسكرية، فذلك يستلزم تقرير جهةٍ أمميةٍ محايدةٍ بعد معاينتها الموقع. ومن جهة أخرى، لا يعتبر إعلان السعودية إسقاط مطار صنعاء من الحماية الدولية إعفاء لمسؤوليتها، ما يجعل استهدافها المطار ومرافقه جريمة حرب مكتملة الأركان. وبعيداً عن منطق العنف والاستقواء والتدمير، والذي يمثل استراتيجية لأطراف الصراع في اليمن، فإنّ الهدف السياسي من الإجراء السعودي هو الضغط على جماعة الحوثي بتجريد مواقع مطار صنعاء من الحماية الدولية، واستهدافه إلى جانب توسيع قائمة أهدافها في صنعاء، من تدمير ملعب الثورة، المحمي أيضاً بموجب القانون الدولي، إلى تدمير الجسور الرئيسية في مدينة صنعاء والأحياء السكنية، إلى إيقاع أكبر خسائر في البُنى التحتية، إلى جانب تكثيف السعودية غاراتها الجوية على مجمل المدن اليمنية، أي دفعها الحرب مع جماعة الحوثي إلى مربّع جديد. ويأتي استهداف صنعاء بمطارها ومرافقها وأعيانها المدنية في سياق توجيه السعودية رسالة إلى إيران، الحليف الإقليمي لجماعة الحوثي، إذ صعدت السعودية من خطابها ضد إيران، بما في ذلك اتهام حزب الله، وكيل إيران في لبنان، بدعمه جماعة الحوثي في معركة مأرب، فيما تراهن الجماعة على استثمار قصف السعودية مطار صنعاء لمضاعفة مدخولاتها المالية من حركة الملاحة الأُممية.

توظيف ملف إغلاق المطار أمام الرحلات التجارية ظلّ استراتيجية لجماعة الحوثي لاستدرار تعاطف المجتمع الدولي

لمطار صنعاء أهمية حيوية بالنسبة لجماعة الحوثي، تتعدّى كونه منفذاً جوياً يمكنها من تحقيق استقلالية سياسية، بما في ذلك رمزيته باعتباره المطار الرئيسي في اليمن، وتحت سلطتها، إذ ظل فتح مطار صنعاء وفق شروط الجماعة بالإشراف الكامل على الملاحة ووجهات الرحلات التجارية شرطاً في قبولها أي مبادرةٍ سياسيةٍ لوقف الحرب، فقد تضافرت الأهمية السياسية والاقتصادية والإنسانية لمطار صنعاء في جعل تأمينه وإشرافها عليه أولوية لجماعة الحوثي، فإلى جانب المبالغ المالية المهولة التي وفرها استقبالها الطائرات الأُممية يومياً، إذ مثلت الملاحة الأُممية اقتصاداً إضافياً للجماعة مستقلاً عن الموارد الأخرى، فإن توظيف ملف إغلاق المطار أمام الرحلات التجارية ظلّ استراتيجية لجماعة الحوثي لاستدرار تعاطف المجتمع الدولي، مقابل استفادتها من تحوّل مطار صنعاء قناة رئيسية لوصول المساعدات الإغاثية، ومن ثم توزيعها، إلى المناطق الداخلية، إذ ظلت الجماعة، من خلال مندوبيها، من يشرف ويوزّع الإغاثة ضمن شبكة دائرة حلفائها ومقاتليها، وحرمان الطبقات الأكثر احتياجاً. ومع أن مطار صنعاء مثّل مورداً اقتصادياً لجماعة الحوثي جرّاء الرحلات الأممية، رأت الجماعة، في الخطوة التصعيدية من السعودية، فرصةً مواتيةً لتحقيق أهداف جديدة، مفاوضة الأمم المتحدة برفع رسوم الملاحة الأُممية، ووضعها أمام الأمر الواقع بالتضييق على رحلات طائرات الإغاثة، ما يعني إعاقة تقديم الإغاثة الإنسانية في بلدٍ يعيش المجاعة، وخصوصاً المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي. ومن جهة أخرى، ربط ملف إعادة فتح المطار أمام الرحلات الأُممية بالجانبين السياسي والعسكري، والمتمثل بوقف قصف السعودية على المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، بما في ذلك استهداف مقاتليها في جبهات مأرب. وعلى الرغم من تراجع جماعة الحوثي عن وقف رحلات الإغاثة إلى مطار صنعاء، وذلك بعد نفي الأمم المتحدة مزاعم خروج المطار عن الجاهزية، بعد زيارة أحد مسؤوليها إلى موقع القصف، فإنّها تحاول تحسين شروطها في إدارة أزمة مطار صنعاء، إلّا أنّ ملف مطار صنعاء أكثر تعقيداً كما يبدو، كونه ملفّاً سياسياً وإنسانياً متشابكاً، يُوظف بمقتضى أجندة كلّ طرف.

لمطار صنعاء أهمية حيوية بالنسبة لجماعة الحوثي، تتعدّى كونه منفذاً جوياً يمكّنها من تحقيق استقلالية سياسية

المُسببات العسكرية والسياسية التي لطالما أوردتها السعودية للشرعنة لاستمرار إغلاق مطار صنعاء أسقطتها السعودية في المقام الأول. وإذا كان إغلاق مطار صنعاء الواقع تحت سلطة جماعة الحوثي أتى في سياق سياسة الحصار الجوي والبرّي والبحري الذي فرضته السعودية على اليمن، لمنع تدفق الأسلحة إلى الجماعة، وكذلك إعاقة وصول الخبراء الإيرانيين إلى صنعاء، إضافة إلى منع قيادات جماعة الحوثي من السفر إلى عواصم الإقليم، فإنّ إغلاق مطار صنعاء لم يمنعها من السفر، إذ ظلت تتنقل على متن رحلات أُممية وعُمانية وبإشراف السعودية، فضلاً عن وصول الخبراء، سواءً بصفات استشارية أو إنسانية وبمعرفة السعودية، فمنذ استئناف الملاحة أمام الرحلات الأُممية ومطار صنعاء يخضع للإشراف السعودي المباشر، بما في ذلك رقابتها على كشوفات القادمين والمغادرين عبر المطار. وربما يمثل تسهيل السعودية عملية نقل جثمان السفير الإيراني لدى الحوثيين، حسن إيرلو، بطائرة عسكرية خاصة، نقلته من صنعاء إلى بغداد، مثالاً حيوياً ليس على إنسانية الدول المتدخلة، وإنما على انتقائيتها في تنفيذ سياستها المُعلنة، مقابل إمعانها في عقاب اليمنيين، فقد ظلّ مطار صنعاء مغلقاً أمام المدنيين الراغبين بالسفر، من الحالات الإنسانية الصعبة والمرضى، وإن لم يكن السفر عبر مطار صنعاء خياراً لمواطنين كثيرين، نظراً إلى كلفة السفر وخشية اعتقالهم من سلطة جماعة الحوثي، فيما ظلّ فتح مطار صنعاء للرحلات التجارية مطلباً دائماً لجماعة الحوثي، مقابل اشتراط السلطة الشرعية مقايضة فتح المطار برفع جماعة الحوثي حصارها عن الطرق البرّية في المناطق الخاضعة لها، وإشراكها في الإشراف على المطار.

مطار صنعاء المغلق أمام المواطنين، كمطار تعز ومعظم المطارات اليمنية الأخرى، يخضع لقوانين واستخدامات أطراف الصراع المحلية والإقليمية، مقابل تدمير بنيته التحتية، والتي هي ملك لليمنيين، وليس لجماعة أو لطرف آخر، وفيما ظلّ مطار صنعاء في ذاكرة المواطنين المكان الذي تسقط فيه الصواريخ التي تقصف منازلهم وتدمّرها، فإنّه أيضاً المنتجع الدولي لطائرات أُممية تحط وتقلع بموظفيها في رحلات استجمامية داخل اليمن وخارجه، ومن ثم بات هذا المطار بعيداً عن آمال اليمنيين ومصدراً للأذى.