مشاهد الذل في لبنان

مشاهد الذل في لبنان

19 مارس 2021
+ الخط -

الاعتقاد بتحسّن الأوضاع في لبنان ضرب من الجنون. كل يوم إضافي يمرّ، يكتشف اللبنانيون مدى اتساع الجحيم التي أصبحوا مضطّرين للعيش فيها. في السابق، كان اللبناني يشتكي من أنه يدفع ثمن الخدمات بدل المرّة اثنتين وثلاث مرات، سواء تعلق الأمر بالمياه أو الكهرباء أو الطبابة. أما اليوم فبات المواطن غير قادر على تأمين قوته، ومهدّدا بالعتمة الشاملة، وبانقطاع الإنترنت والدواء وحتى الغذاء. كل يوم تصوّر عشرات المقاطع المصوّرة مشاهد الذل داخل السوبرماركات، بحثاً عن السلع المدعومة من سكر وعدس ورز وزيت، وتضارباً وتزاحماًعليها إن وجدت، بعدما كان المواطنون يتزاحمون على أبواب المصارف للحصول على جزء من أموالهم. يتفنّن التجار في مفاقمة المعاناة. لم يكفهم تضاعف الأسعار مرّات عدة في غضون أشهر قليلة. بل عمدوا إلى احتكار السلع وتهريبها لبيعها في دول خارج لبنان أولاً، ومن ثم ابتداع حيلةٍ جديدةٍ، تتمثل في إفراغ السلع المدعومة بأكياس جديدة وبيعها بأسعار مضاعفة. وجديد إبداعاتهم/ مقترحاتهم بيع السلع في المتاجر بالدولار، بذريعة عدم ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية التي تخسر يومياً من قيمتها من دون أي قدرةٍ على تصوّر أي حدود قد تبلغها. جشع بلا حدود لمراكمة الأرباح، لا الحد من الخسائر، تغذّيه وتدعمه طبقةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ حاكمة تصرّ على سرقة آخر ما تبقى للبنانيين، وتتلهّى بمعارك جانبية.

ما يحدث بين رئيس الجمهورية، ومن خلفه الصهر المدلّل، جبران باسيل من جهة، ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من جهة ثانية، لا يخرج عن هذا الإطار. مجرّد ملهاة لا أكثر. يريد كل طرفٍ إيهام اللبنانيين أن بيده "العصا السحرية" لوقف الانهيار، وأن الطرف الآخر يعطله ويمنعه من تحقيق الإصلاح وتبديل الأحوال نحو الأفضل، على أساس أن عقود الحكم الماضية لم تكن كافية لهم. افتراض تحقق أفضل السيناريوهات بالنسبة إلى مختلف القوى السياسية، سواء تمثل ذلك بتشكيل حكومة توافقية أو اعتذار الحريري والعودة إلى تشكيل حكومة اللون الواحد، والتفكير بنتيجة ذلك على المواطن، لا على السياسيين، يقود إلى نتيجةٍ حتميةٍ واحدة: الانهيار واقع لا مفر منه.

سعر الصرف لن يعود إلى سابق عهده، وجل ما يمكن تحقيقه تثبيت سعر صرف جديد لن يقل عن ستة آلاف ليرة أمام الدولار الواحد، أي أربعة أضعاف السعر الرسمي الحالي المحدد بـ1515 ليرة لبنانية. وأفكار حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، لخفض سعر صرف الدولار يمكن أن يحتفظ بها لنفسه، بعدما أوصل بسياساته النقدية البلاد إلى الانهيار، بإصراره على حماية أموال السياسيين والمصارف مقابل حرمان اللبنانيين من ودائعهم ونهبها تدريجياً بذرائع مختلفة تتخذ شكلاً جديداً كل يوم.

أما رفع الدعم عن السلع فهو حتمي. ما يجري حالياً من ارتفاع أسعار المحروقات بشكل تدريجي مجرّد نموذج وتمهيد للأسوأ. احتياطات المصرف المركزي التي يمكن التصرّف بها سواء أكانت تتراوح بين مليار ونصف المليار دولار أم أكثر أم أقل ستنتهي بحلول الأشهر القليلة المقبلة.

كل مقترح/ سيناريو حل لا يأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع هو مجرّد بيع للوهم لا أكثر. كل ما له علاقة بنمط الحياة السابقة بالنسبة للبنانيين قد ولّى إلى غير رجعة. عداد ازدياد الفقراء لا يتوقف مع فقدان الرواتب قيمتها وانهيار الوظائف، وتلاشي آخر ما تبقى من طبقة وسطى كانت تصارع للبقاء. وجل ما باستطاعة اللبنانيين في هذه الظروف محاولة التكيّف مع الانهيار، واعتبار أن كل ما مرّوا به في الأشهر الماضية مجرّد تمرين لما هو آتٍ.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات