مسلسلات الإثارة .. والنقد

مسلسلات الإثارة .. والنقد

14 ابريل 2022
+ الخط -

يدافع كثيرون عن الهراء السنوي الذي تقدّمه الشاشات العربية في رمضان من كلّ عام باسم حرية الرأي، وأنّ من حق الكتاب والفنانين والقنوات تقديم ما يشاؤون من مسلسلات وبرامج في رمضان وغير رمضان، وأنّ على من يرفض مثل هذه الأعمال أن يستعين بجهاز التحكم عن بعد (الريموت كونترول)، لتغيير القناة وينتهي الأمر.

والواقع أنّ هذا الكلام فيه بعض الحقّ الذي يُراد به باطل، فلم يعد في وسع المشاهد أن يحمي ذائقته مما يراه غير مناسبٍ من هذه الأعمال بتغيير القناة، ذلك أنّ تلك الأعمال أصبحت تحاصره في كلّ مكان، ولم تعد الشاشة الصغيرة المصدر الوحيد كما كان في السابق، فمقاطع تلك الأعمال المثيرة أصبحت تقدّم عبر منصّات التواصل الاجتماعي المختلفة إعلاناتٍ لا تردّ، وهي تفاجئ متصفح كلّ المنصات من حيث لا يدري ولا يريد. والغريب أنّ القائمين على تلك الأعمال، أو المنتجين لها تحديداً، يختارون منها لقطاتٍ مختارة بعناية، بغرض الإثارة وعرضها في تلك المنصّات، وهم لا يختارون إلّا المشاهد المثيرة، والتي تسبب لغطاً بين الناس، يساهم في ترويج تلك الأعمال بغضّ النظر عما تسبّبه من إزعاج وسوء فهم للأعمال نفسها. والغريب أنّ الذين يدافعون عن هذا الهراء الدرامي الرخيص يطالبون المشاهدين بعدم الحكم على أعمالهم من خلال لقطة يتيمة أو مشهد مقتطع من سياقه، فالعمل، كما يقولون، لا يمكن الحكم عليه إلّا بمشاهدته كاملاً، على الرغم من أنّهم هم الذين يساهمون بتلك النظرات القاصرة للأعمال باقتناصاتهم المثيرة!

ومن حججهم الأخرى؛ أنّ المجتمع الذي يهزّه مسلسل تافه أو أغنية سقيمة أو إعلان صادم، إنّما هو سطحي وتافه، فالمجتمعات الحقيقية لا تؤثر فيها مثل هذه "الأشياء" التي ينبغي تجاوزها أو على الأقل التعامل معها باعتبارها أدوات تسلية وترفيه وحسب! ومع هذا، هم أنفسهم من يدافعون عن تلك "الأشياء" على صعيد آخر، فيتحدّثون عنها، على سبيل الإشادة بها بأنها مؤثّرة إلى حد أنّها تساهم في تثقيف المجتمعات وتغيير القناعات وصناعة الرأي العام. وفي هذا التناقض يكمن سرٌّ من أسرار تلك الصناعة الدرامية التي أصبح معظمها في السنوات الأخيرة سبيلاً للإثارة بهدف زيادة المشاهدات في المنصّات الباحثة عما يملأ فراغها الكبير.

ورغم أنّني أرفض سياسة المنع والرقابة على الأعمال الفنية وغيرها من وسائل التعبير، بغضّ النظر عن مستواها، لكنّ هذا لا يتناقض مع دعوتي إلى تفعيل آلية النقد القاسي ضد هذه الأعمال، وتشجيع من ينتقدونها بهدف التوعية وضرورة التلقي بعقليةٍ تستطيع تمييز الطيب من الخبيث في مثل هذه الأعمال وغيرها، وتدريب الذائقة الفردية على الاختيار، خصوصاً أنّ معظم هذه الأعمال الرديئة، ولأنّها تتوسّل الإثارة الرخيصة في ترويج نفسها، بعيداً عن مفاهيم الفن الحقيقي ومعاييره الخاصة، تتغافل عن المعايير الجمالية المطلوبة في الأعمال الدرامية عموماً.

أما أولئك الذين يرفضون ردّ فعل الناس الرافض مثل هذه الرداءة التي تقدّم لهم باعتبارها فناً، بحجّة أنّ الأمر تافه، وأنّ هناك قضايا أهم ينبغي للمجتمع التصدّي لها بدلاً من انتقاد أعمال تلفزيونية، فهم يحاولون مصادرة حقٍّ أصيل من حقوق الناس في إبداء آرائهم في أي قضية يرونها مستحقة راهناً. ووجود قضايا مجتمعية أهم من قضية المسلسلات التلفزيونية الرديئة لا ينبغي أن يمنع أحداً من حقه في ممارسة نقد هذه المسلسلات، بالقدر الذي يراه مناسباً، فكلّ القضايا التي تؤثر بالمجتمع والناس مستحقّة، ومن يقرّر درجة استحقاقها هو الظرف الذي يقدّره الناس وحدهم!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.