مسافر إنكليزي على بساط الإسلام
(خوان غريس)
بوجه بشوشٍ وحماسة، يحكي إدريس عن مجموعته الحصرية من الكتب التي جمعها من بلدان عديدة، فهو يقضي نصف عامه في السفر وجمع الكتب، والنصف الآخر في بيعها. هو أسلوب حياة غير تقليدي لمحبٍّ للكتب، فهو لم يتحوّل كاتباً لشدّة حبه لها، ولم يجلس في مكانه معتكفاً على القراءة، كما قد يفعل بالمرء نوع آخر من الشغف بالكتب.
كان يمكن ألّا أنتبه إلى حضوره، ولا إلى جناحه، لولا أنني تعثّرت به وأنا أجول أروقة معرض الكتاب في الدوحة. هذا الإنكليزي بائع الكتب القادم من دبي، حيث مكتبته الفريدة، كان يجلس على حصيرة في أقصى رواقه. وما إن دخلتُ وبدأتُ أتصفّح الكتب حتى وقف مُرحّباً. حينها كنتُ قد توصّلتُ إلى خلاصةٍ مفادها بأن مكتبته متخصّصة في الكتب التي تتناول الإسلام، فكان السؤال عن سرّ هذا الاهتمام مسألة وقت فقط.
يحكي إدريس، بلمعة في عينيه الزرقاوين، وبلحيته البيضاء، هو الذي تجاوز الستّين من عمره، كيف دخل الإسلام في الثامنة والعشرين، ليبدأ في تجميع مكتبته المتخصّصة، وكأنّ ذلك أمر طبيعي للغاية. ربّما هذا ممكن في بلد يقرأ قليلاً، أمّا عندنا فالمكتبات تصارع للبقاء، وبالتالي، التخصّص في نوع واحد من الكتب أمر مُستبعَد.
سألتُه، مشيرةً إلى قلّة الزوار: هل تعتمد على هذا العمل مصدر رزق؟... أجاب بأنه عمل محرّراً في دار نشر في لندن، قبل أن يتحوّل إلى بيع الكتب منذ أربعين عاماً، وظلّ يعمل معها جزئياً لوقت طويل. وكانت ملابسه البسيطة، المكوّنة من ثوب محلّي، تعكس أسلوب حياة متقشّفاً، قائماً على الزّهد أكثر ممّا هو قائم على الانخراط في حمّى السعي الجماعي وراء التراكم.
تستهدف كتب إدريس، بحُكم اللغة، غير الناطقين بالعربية، ولهذا يشارك غالباً في معارض الكتب في دول الخليج، إذ توجد جاليات آسيوية مسلمة كبيرة. ولا يخلو الأمر من زبائن غير مسلمين يسعون إلى اكتشاف الإسلام بدافع الفضول. لم أدقّق في عناوين الكتب المتوفّرة لديه، ولم أجد وقتاً لسؤاله عن نوع الكتب الإسلامية التي يتاجر فيها، وهل يمارس نوعاً من الرقابة عليها. فلا يمكن غضّ النظر عن أن هناك كتباً عن الإسلام تشكّل فخاخاً كبيرة للقارئ. بين المتشدّد منها التي تقدّم احتمالَين، الوقوع في براثن التطرّف أو النفور من الدين ككلّ، وهما على طرفي نقيض. وبين نوع آخر يقدّم مغالطاتٍ تروّج نوعاً من الأيديولوجيا الدينية القائمة على إقصاء الآخر بناء على اختلاف نظرته إلى الدين نفسه، وهو الإسلام.
وبسبب ذلك، قد يقع أحدهم، من غير المسلمين بشكل خاص، بمحض المصادفة، على كتاب ديني متطرّف، فينفر من الإسلام نتيجة تعزيز شكوكه، أو ينخدع بالمحتوى ويقع في فخّ التطرّف. في الواقع، تقدّم كتب عديدة موجّهة إلى غير العرب صورة قاتمة عن الإسلام، تُصوّره ديناً صعباً غير متسامح، ويفرض أعباءً ثقيلةً على أتباعه.
ولأنّه يستحيل اختزال دينٍ أو فكرةٍ أو معتقدٍ أو فلسفةٍ في رؤية واحدة، ليس على هذه الكتب أن تقدّم نبرة واحدة، لكن المشكلة تحدث حينما يكون أحدها النافذة الوحيدة على الإسلام. لنتخيّل أن تقع قارئة امرأة على كتاب عن فتاوى النساء من تلك التي (وهي الأغلبية)، تروّج نمط حياة يشبه العبودية، حيث على المرأة الطاعة العمياء لزوجها.
مع ذلك، تبدو هذه الكتب أكثر رحمةً بعقل الإنسان من الشيوخ اليوتيوبيّين، فتحوّل الإسلام بسبب شيوخ التكفير، الذين انتقلوا من الكتب إلى الشاشات، ديناً مرعباً، يقوم على التخويف من العقاب، وعلى رفض الآخر ومقته، وعلى تنظيم العلاقات الاجتماعية بشكل أبوي صرف. حيث تُؤمر المرأة بأن تكون في خدمة زوجها وأولادها هدفاً وحيداً لحياتها، ويؤمر الأبناء بخدمة الآباء وطاعتهم، حتى لو كانوا معتوهين تسبّبوا لأولادهم في صدماتٍ لن تغادرهم طوال حياتهم.
من الصّعب الجزم بإدراك إدريس الأسئلة الحرجة التي تطرحها الكتب التي تخصّص في بيعها، لهذا يتحمّل كلّ قارئ مسؤولية ما يقرأه، ومساره داخل رأسه، فإمّا تقوده إلى خلاصاتٍ نقدية مُفكَّر فيها، أو إلى الاتباع الأعمى أو الرفض الحادّ.

