مجلس تغطية الجرائم

مجلس تغطية الجرائم

12 مارس 2021
+ الخط -

استغرق مجلس الأمن، الدولي، أياماً من النقاشات، قبل أن تتفق دوله الرئيسية على بيانٍ بشأن ميانمار في أعقاب انقلاب الجيش، مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي. لم يكن هذا البيان الهزيل ليمرّ لولا الرضوخ للابتزاز الرباعي، الصيني والروسي والهندي والفيتنامي.

"التنديد بالعنف" ضد المتظاهرين الذين يتحدون جنرالات المؤسسة العسكرية، ويصرّون على الخروج إلى الشوارع، على الرغم من القمع والقتل، قابله التخلي عن توصيف ما جرى بأنه انقلابٌ أو التلويح باتخاذ أي تدابير ضد الجيش، بل الاكتفاء بمطالبته بـ"َضبط النفس". ولم يخل البيان بطبيعة الحال من حشو لغوي وعبارات مكرّرة عن دعم الانتقال الديمقراطي والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، فطالما أن رغبات الصين وروسيا الأساسية تحققت، فكل ما يأتي بعد ذلك لزوم ما لا يلزم.

قبل ذلك بأيام، تراجع المجلس نفسه عن إصدار بيانٍ بشأن "أعمال العنف" التي تجري في إقليم تيغراي في إثيوبيا، ولا داعي لاستنتاج أن روسيا والصين كانتا تقفان وراء الخلافات التي أدّت إلى تعطيل صدور البيان نظرياً. أما فعلياً فإنهما وفرتا الغطاء للحكومة الإثيوبية للمضي في حربها، وما يرافقها من انتهاكات وجرائم، حتى بات الحديث عن حملة تطهير عرقي ممنهجة، تقودها القوات النظامية. ولكن لا يوجد لدى رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، ما يقلقه أو يردعه، طالما أن يد المندوب الصيني، وكذلك الروسي، جاهزة للارتفاع، إذا ما استدعت الحاجة.

عملياً، يتكرّر المسلسل نفسه مع كل قضيةٍ تُطرح على مجلس الأمن، ولا تلتقي مصالح دوله دائمة العضوية حولها. غالباً ما تحضر التباينات والانقسامات، لتعطل أي موقفٍ أو خطوة. وفي حال لم يكن الابتزاز كافياً خلف الكواليس، لإجهاض التحرّك تُصبح المواجهة العلنية أمراً لا مفرّ منه، ويتحول استخدام "الفيتو" إلى السلاح الأكثر فعالية.

بطبيعة الحال، ليس هذا النهج حكراً على الصين وروسيا، فهما تشتركان في هذا "الامتياز" مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وإن كانت الأخيرتان الأقلّ نزوعا إلى استخدامه في العقود الأخيرة. والقضايا العربية لديها النصيب الوافر من نقاشات مجلس الأمن، ولطالما كانت ضيفاً ثقيلاً عليه. يقدم موقع securitycouncilreport إحصاءات عن عمل المجلس العتيد، بما في ذلك تاريخ استخدام الفيتو، ليظهر واقع الملفات العربية، فمنذ العام 1946، تاريخ أول توظيف لحق النقض من الاتحاد السوفييتي وحتى أواخر العام الماضي، أشهر هذا السلاح 293 مرة. وبينما تحولت الولايات المتحدة منذ عام 1970 إلى أكثر الدول استخداماً له، فإن معظم الحالات كانت متعلقةً بحماية إسرائيل وجرائمها في الأراضي العربية المحتلة. أما روسيا، وإلى جانبها الصين، فلديهما اهتماماتٌ عربية أخرى، تحديداً سورية. يكفي التذكير بأنه منذ 2011، تاريخ الثورة السورية التي تحلّ ذكراها العاشرة خلال أيام، وحتى آخر 2020، استخدمت روسيا الفيتو 19 مرّة، 14 منها من أجل سورية، بينما لاقتها الصين ثماني مرات. وذلك كله من أجل حماية نظام بشار الأسد، والتغطية على مجازره بحق السوريين، خصوصاً بعد استخدام الأسلحة الكيميائية، وعرقلة أي مشاريع للحل السياسي والهدن العسكرية. وطبعاً، لا حاجة لذكر كم مرة تمت عرقلة بيانات أو قرارات خاصة بليبيا.

مهما تكن القضية المطروحة أمام مجلس الأمن، تدرك دوله دائمة العضوية، تحديداً روسيا والصين والولايات المتحدة، أن آلية عمله هي بمثابة عصا سحرية، دائماً ما تجترح لهم الحلول، أو المخارج التي يريدونها ليس فقط للاعتراض والتعطيل، بل أيضاً لتوفير الغطاء للأنظمة التي يدعمونها من أجل ارتكاب مزيد من الجرائم.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات