ماذا يعني تحوّل الصدر إلى المعارضة؟

ماذا يعني تحوّل الصدر إلى المعارضة؟

30 مايو 2022

أحد مناصري مقتدى الصدر يحمل صورته في بغداد (26/5/2022/فرانس برس)

+ الخط -

منذ احتلال العراق عام 2003، لم يشهد الموقف السياسي المتوافق على طبيعة حكم هذا البلد وإدارته ما يطلق عليها في النظم الديمقراطية "المعارضة"، ذاك أن كل تركيبة العملية السياسية بُنيت على نمط واحد، سُمّي "التوافقية". صحيحٌ أن الجميع لوّح بالذهاب إلى المعارضة في مناسبة أو أخرى، لكن النتيجة النهائية المتوافرة تحت قبة البرلمان العراقي هي "التوافقية"؛ فهي أرضت كل القوى والأحزاب والتكتلات بما حصلوا عليه من مكاسب، وغضّ الطرفِ عن المفاسد على مبدأ "أتغافل لك اليوم فتغافل عني غداً".
وبعد فشل الأطراف السياسية في التوصل إلى تشكيل حكومة بحسب نتائج انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، التي أرادها الطرف الفائز بها، التيار الصدري، مع القوى المتحالفة معه؛ تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني في ما سُمي "إنقاذ وطن"، حكومة أغلبية، خرج زعيم التيار الصدري ليعلن، بشكل مفاجئ، التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة العراقية 30 يوماً، والانتقال إلى المعارضة خلالها، معللاً ذلك بأنه لم يبقَ لديه سوى "خيار لا بد أن نجرّبه، وهو التحوّل إلى المعارضة الوطنية مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً"، وكاشفاً حجم "التكالب" عليه وازدياده من الداخل والخارج على فكرة تشكيل حكومة أغلبية وطنية .. ومنح القوى المتحالفة معه من السُّنة والأكراد حق الدخول في أي حكومة يشكلها خصومه، وكأننا أمام ممارسة لهواة في أي مجال ما عدا السياسة. ولا أعتقد أن أحداً سأل مقتدى الصدر عن كيفية ترك حلفائه في منتصف الطريق، والذهاب إلى اتخاذ قرار بلا نتيجة متوقعة أو مؤكدة، بعد انقضاء فترة الثلاثين يوماً.

حلفاء الصدر من السُّنة والأكراد لن يبدّلوا مواقفهم ويغيروا مواقعهم صوب خيار المعارضة

المراقبون السياسيون متأكدون، بشكل شبه قاطع، أن حلفاء الصدر من السُّنة والأكراد لن يبدّلوا مواقفهم ويغيروا مواقعهم صوب خيار المعارضة؛ لأنهم دون الكتلة الصدرية لا يستطيعون بلوغ هدف تشكيل حكومة، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الإطار التنسيقي. وبالتالي، لا سبيل لهم سوى انتظار موقف جديد من الصدر لتصويب أساليب عملهم صوب كسب النواب المستقلين، وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة صوب "حكومة الأغلبية".
التحالف المسمّى "إنقاذ وطن" يمضي إلى ما يتوقعه قادته، الصدر، محمد الحلبوسي ومسعود البارزاني، وهم يعلمون أنهم اجتازوا أكثر من منتصف الطريق نحو تشكيل الحكومة، ذاك أن ما تعرّض له كل واحدٍ منهم من محاولات إيرانية تنوعت بين الترغيب والترهيب منذ إعلان تحالفهم بعيد إعلان نتائج الانتخابات مباشرةً، جعلهم يتمسّكون بقدرات الثبات والمناورة لمواجهة محاولات السفارة الإيرانية وقادة الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى قادة "الإطار التنسيقي"، لكسر التحالف أو لثني مقتدى الصدر عن تمسّكه بحكومة الأغلبية ورفضه المطلق حكومة توافقية.

موضوع الهوية الوطنية سيكون أول الأشياء المتحرّرة من قلوب العراقيين وعقولهم

مخاوف إيران وقادة الإطار التنسيقي من ترسيخ مفهوم "حكومة الأغلبية" أساسه عميق وخطير ويتجاوز الممارسات السطحية والآنية من هذه الكتلة أو تلك، فمجرّد تكريس هذا المفهوم وممارسته فعلاً يعني أن العراقيين يضعون أولى أقدامهم على الطريق الصحيح، سواء تعلق الأمر بمنظومة الحكم أو بمؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية. وهذا الأمر إن خرج من دائرة المعنيين بالشأن العراقي المُشبع بالفساد والتراجع الحضاري المبرمج، سواء من محيطه الإقليمي أو إطاره التنسيقي، فإن ذلك سيدفع الشعب العراقي الذي سيرى الفارق الاعتباري الوطني والاقتصادي والخدمي وسواها، إلى التمسّك بالطريق الجديد وعودة الصحوة إلى ملايين العراقيين الذين غيبهم القهر والخوف والجوع والقتل والجهل، وهو ما سيدفعهم، بالنتيجة، إلى عودتهم إلى ممارسة دورهم التاريخي في تغيير موازين اللعبة والمشاركة في الاستفتاءات والانتخابات المقبلة بجماهيريةٍ أكبر لاختيار الأفضل لقيادة بلادهم. وتحت كلمة "الأفضل" لا بد أن يضعوا ألف خط.
العراق مقبلٌ على متغير كبير. وبالتأكيد مخاض أكبر قد يسبق هذا المتغير، ولا بد لجميع العراقيين، بكل قواهم الوطنية، المشاركة في إنقاذ وطنهم من براثن أنواع عديدة من الاحتلالات. وستشهد الأشهر المقبلة ربما مفاجآت كبيرة، لا بد من فهمها والتعامل معها بوعي ووطنية عالية، بعيداً عن الطائفية والعرقية، لأن موضوع الهوية الوطنية كان أول الأشياء التي استهدفت في العراق بعد احتلاله عام 2003. وسيكون أول الأشياء المتحرّرة من قلوب العراقيين وعقولهم. وهو، كما يعتقد سياسيون غربيون كثيرون، مصدر قلق بعض دول الجوار المستفيدة من الأوضاع الفاسدة والمتخلفة في العراق، ومنها إيران، لأن صحوة العراقيين من الغفلة تعني طريق الوحدة، وتعني عودة العراق ضابطاً لميزان الأمن القومي العربي.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن