ماذا يجمع الكويت بأوكرانيا؟

ماذا يجمع الكويت بأوكرانيا؟

04 مايو 2022
+ الخط -

للوهلة الأولى، قد يبدو مستغربا محاولة إيجاد رابط بين الغزو العراقي للكويت في أغسطس/ آب 1990، والغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، فالحدثان ينتميان إلى حقبتين تاريخيتين مختلفتين. وقع الأول فيما كانت الحرب الباردة تطوي آخر صفحاتها. ووقع الثاني في حقبة عودة التنافس الدولي، وبروز بوادر "حرب باردة" جديدة. أسباب الصراع وأطرافه وجغرافيته تختلف أيضا في كلتا الحالتين، إلى درجة يصعب معها تصوّر إمكانية إجراء مقارنة بينهما. مع ذلك، إذا دقّقنا النظر نجد نقاط تماثل لافتة بين الحدثين. من ذلك، مثلًا، طريقة اتخاذ قرار العمل العسكري في إطار حلقة ضيقة جدا في نظامٍ لا توجد فيه ضوابط فعلية على صانع القرار. وقد بدا ذلك واضحا في حالة غزو الكويت، كما في النقاش "المصطنع" الذي بثته وسائل إعلام الكرملين عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، وبدا فيه الرئيس بوتين جالسا يستدعي أركان حكومته، كل بدوره، للإدلاء برأيه حول قرار جرى اتخاذه سلفا. لكن اللافت أكثر من ذلك مقدار الحسابات الخاطئة التي أجراها صنّاع القرار في الحالتين، فضلا عن مركزية العامل الأميركي فيهما. ففي حالة الكويت، اعتقد الرئيس صدّام حسين أن انتهاء الحرب الباردة ألغى أهم حافز أميركي للتدخل، باعتبار أن أحد أهم أسباب اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الخليج هو منع الاتحاد السوفييتي من السيطرة على منابع النفط فيها، أما وقد هُزم الاتحاد السوفييتي، فلم يعد هناك ما يدفع واشنطن إلى التدخل، خصوصا أن النفط سوف يستمر في التدفق من دون عائق الى الأسواق العالمية. وزيادة في التأكّد من حياد الموقف الأميركي في المسألة، صار الاجتماع الشهير الذي جمع صدّام بالسفيرة الأميركية في بغداد إبريل غلاسبي، والذي اعتبرت فيه الأخيرة الخلاف العراقي - الكويتي شأنا داخليا عربيا لا يعني واشنطن في شيء. اختلف كثيرون في تفسير حيثيات الاجتماع بين من اعتبره رسالةً خاطئة وسوء تقدير من السفيرة ومن اعتبره فخًا نصبه الأميركيون للعراق الذي صار يقلق واشنطن بعد خروجه أقوى من حربه مع إيران وتهديداته بضرب إسرائيل "بالكيماوي المزدوج". وبغض النظر عن هذه التفاصيل، على أهميتها، جاءت النتائج عكس ما أراده العراق، فبدل أن يخرج من غزو الكويت أقوى، ويجد حلا لمشكلاته الاقتصادية، بضم إنتاج الكويت النفطي إلى إنتاجه، خرج العراق أضعف بعد تدمير آلته العسكرية وفرض حصار اقتصادي قاس عليه.

بالمثل، جاءت حسابات الرئيس بوتين خاطئة كليا بشأن أوكرانيا، إذ بالغ بشأن قدرته على تفريق الصف الغربي من خلال استخدام الطاقة أداة ضغط رئيسة تبقي أوروبا بعيدةً عن الموقف الأميركي. كما استهان بقدرة الأوكرانيين على مقاومة غزو بلادهم. وبالغ بشأن قدرات جيشه على تحقيق الأهداف التي وضعها في بداية العملية العسكرية، وأساء كذلك تقدير عزم الأميركيين على استغلال "غلطته" في أوكرانيا لإذلاله واضعافه. ماذا كانت النتائج؟ بدل منع أوكرانيا من الانضمام الى حلف شمال الأطلسي، خطت دول شمال أوروبا المحايدة (فنلندا والسويد) خطوات نحو الانضمام الى الحلف. ما يعني، في حال حصل ذلك، أن حدود روسيا مع "الناتو" سوف تصبح أطول مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا. وبدل أن يحكم بوتين الخناق حول أوروبا باستخدام الطاقة، تتجه روسيا كليا إلى فقدان سوق الطاقة الأوروبي. ويُتوقع، فوق ذلك، أن تسفر مغامرة أوكرانيا عن تحويل ألمانيا الى قوة عسكرية أوروبية معتبرة في مواجهة روسيا. بالنتيجة، بدل أن تخرُج روسيا أقوى من غزو أوكرانيا، كما أراد لها بوتين، سوف تخرُج مثخنة. وحتى لو تمكّنت من السيطرة على شرق أوكرانيا، وعلى كل سواحلها الجنوبية على البحر الأسود، فذلك لن يغير من حقيقة انكشاف ضعف روسيا أمام الغرب. ويذهب بعض المحللين، بمن فيهم روس، إلى التحذير من دخول روسيا في أزمة بنيوية تعمّها الاضطرابات، شبيهة بأزمة 1917-1920، هذا إذا استبعدنا احتمال تحرّك المؤسسة العسكرية والأمنية التي جاءت ببوتين إلى الحكم ليعيد لروسيا احترامها على الساحة الدولية، قبل أن يرتكب خطأه القاتل غزو أوكرانيا. رُبَّ سائل يسأل: هل ترتكب الديمقراطيات أخطاء أقلّ في السياسة الخارجية، أخذًا بالاعتبار نتائج الغزو الأميركي للعراق؟ سؤال مفتوح للنقاش.