ماذا لو ..؟

ماذا لو ..؟

25 سبتمبر 2020
+ الخط -

"لو" حرف امتناع لامتناع. ولا تكون للتمنّي إلا حيث كان الأمر مستحيلاً أو في حكم المستحيل، ومع ذلك، لا بأس من "لو" لتَخَيُّل واقع عربي مختلف، ربما كان أفضل من الراهن، لو سارت مجموعة من الأحداث المفصلية التي شهدناها أواخر القرن الماضي، وخلال العقدين الأولين من القرن الجاري، بخلاف ما سارت عليه. هل فعلاً سيكون حالنا العربي أفضل لو أخذت تلك الأحداث مساراً مغايراً؟ 

ماذا لو لم يُقْدم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، على مغامرته الرعناء بتجاوز الحدود واحتلال الكويت في العام 1990. وماذا لو استجاب لنداءات أصدقائه (ياسر عرفات، الملك حسين، وآخرين)، أو تعامل بعقلانية واقعية مع تهديدات الأعداء، وتراجع عن تعنّته وسحب الجيش العراقي من الكويت، ثم قَبِل بالحوار وتسوية الخلافات مع جيرانه الخليجيين بالتي هي أحسن. يا تُرى، هل سيكون الحال العربي أفضل؟ هل كان العراق وجيشه سيدمران؟ هل كان من حاجة لتُهدر الكويت مليارات الدنانير في تمويل جيوش التحالف لتحرير أرضها واستعادة سيادتها؟ وهل كان العرب، ومعهم الفلسطينيون، سيجبرون على الذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام الذي مهد لمفاوضات منظمة التحرير والأردن مع إسرائيل، التي أدت إلى اتفاقي وادي عربة بين إسرائيل والأردن، وفتحت الطريق لشق مسار مفاوضات واشنطن، ولاحقاً في أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل. معلومٌ أن كل التراجع الذي مرّت به القضية الفلسطينية منذ ذلك الحين كان بسبب "أوسلو" وملحقاتها، وجديد هذه النكبات سقوط دول عربية في مستنقع التطبيع، متخذة من "أوسلو" مشجباً.

وماذا لو سمع الرئيس السوري، بشار الأسد، كل نداءات أصدقائه وحلفائه، أو تعامل بجدّية مع تهديدات الخصوم، وتراجع عن مواجهة الثائرين السلميين في بلاده بالنار، وتنازل قليلاً لفتح حوار وطني، يفضي إلى إصلاحات سياسية تُنقذ سورية وشعبها من ويلات ما جرى. هل كنا لنخسر سورية وقدراتها، ونتفادى تقسيم سورية بين نفوذ روسي وإيراني وتركي، أم كنا أمام سورية واحدة أقوى وأحصن وأكثر وطنية وقومية، قادرة على كبح الانهيار العربي الذي نشهد أسوأ فصوله؟

وماذا لو قُدر لثورة يناير المصرية أن تكتمل، ولا تُجهض في المهد بأيدي بعض أبنائها، وتحت ضربات معاول الثورة المضادّة المدعومة من نظامي أبوظبي والرياض. هل كانت مصر الثورة لتكون على حال مصر عبد الفتاح السيسي؟ على الأرجح لا. كانت الثورة طموحة في بناء دولة مؤسسات، جادّة في استعادة مقام مصر ومكانتها في ريادة العالم العربي، بينما سخط نظام السيسي مصر إلى تابع صغير لإمارات أصغر.

وماذا لو لم تتدخل السعودية لإجهاض الثورة اليمنية، وتركت الشعب، أو دعمته، ليمضي في بناء دولته الحديثة بعيداً عن حكم علي عبدالله صالح وإرثه الثقيل؟ ماذا لو منعت صالح من العودة إلى اليمن بعد علاجه من آثار محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في يونيو/ حزيران 2011، وبادرت إلى إحضار الأطراف اليمينة إلى طاولة الحوار؟ وماذا لو سخَّرت السعودية مليارات الدولارات التي أنفقتها على حربٍ مجنونة في بناء يمن يوفر لأبنائه حياة كريمة؟ على الأرجح أن حال اليمن كان سيكون أفضل، لا قُتل الآلاف، ولا شرد الملايين، ولا تحول البلد إلى دولة فاشلة تنهشها الحرب الأهلية والكوليرا، وتسلل آخرون تحت شعارات إعادة الأمل إلى اليمن.

أخطاء كثيرة وخطايا لو لم تُقترف لما مال حالنا مع رعونة أهواء هواة هبطوا بالواقع العربي إلى دركٍ لا قاع له. ولو كثيرات لو كانت لما ضَعف العراق، ولما تشظت سورية، ولما وهن اليمن، ولا تاهت مصر، ولما تجرّأ عليها جميعاً شذاذ الآفاق وشواذ الأرض.

قد يَتهم بعض كل لو سابقة بالهذيان، وقد يستعيذ آخرون من لو أخرياتٍ تفتح عمل الشيطان، وأي شيطان رجيم أكثر من واقع سقطت فيه كل الأقنعة عن "عرب أطاعوا رومَهم، عرب وباعوا روحهم، عرب .. وضاعوا".

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.