ماذا تعني سياسة "قتل إرهابي"؟

ماذا تعني سياسة "قتل إرهابي"؟

10 اغسطس 2022
+ الخط -

حدّدت شبكة CNN الأميركية ما يبدو أنه المنزل في كابول الذي أصيب بضربة صاروخية بطائرة مسيّرة من طراز هيلفاير، أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في أثناء وجوده في الشرفة. وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد أفاد بأنه أصدر أمره بـ "قتل الإرهابي"، بعد أن فهم عن كثب المنطقة التي كان يختبئ فيها. وقال مساء 1 أغسطس/ آب الحالي إن الظواهري كان يحتمي وسط كابول، للالتقاء بأسرته. ووصف مسؤول كبير في الإدارة الأميركية العملية بأنها "غارة جوية مصمّمة بدقة، باستخدام صاروخين من طراز هيلفاير". بغض النظر عن طريقة القتل المعتمدة، إلا أنّ الأبرز في الموضوع هو التوقيت الذي تغتال فيه أميركا "الإرهابي" وتصنيفه ضمن المنظمة الإرهابية التي ينتمي إليها، وكيفية الإعلان عن ذلك، ومن تكون الفئة المستهدفة بهذا الإعلان؟

سلسلة من الاغتيالات والقتل التي نفذتها القوات الخاصة الأميركية كانت دائماً في كلّ مرة تتزامن مع حاجة الحزب الحاكم في البيت الأبيض إلى دعم، أو بقراءة من زاوية مختلفة، يأتي الاغتيال في وقت تكون أميركا أمام استحقاق انتخابي، يشعر فيها الحزب الحاكم بأن شعبيّته بدأت تتراجع، فالأميركي في ثقافته الميثولوجية يعيش هاجس الخطر الداهم، وينتظر على أمل أن يأتي المنقذ ويخلصه من العدو الذي يهدّد بلاده. لهذا يعتبر "قتل إرهابي" جزءاً من السياسة التكتيكية التي تعتمدها الإدارات المتعاقبة على السلطة، لقتل ذلك العدو المريع، لاستغلال ذلك دعاية لها أمام كل استحقاق تحتاجها.

التكتيك الاستراتيجي عند الولايات المتحدة تحت مسمّى "قتل إرهابي" يلجأ إليه الحزب الحاكم عند كل مفصل رئيسي في تحديد المرحلة المقبلة. وإنّ نجاح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) في القضاء على الظواهري يعتبر هدية ستمكّن بايدن من تصحيح كثير مما لحق بسمعته إثر الانسحاب الأميركي الذي وُصف بـ"المذلّ" من أفغانستان في أغسطس/ آب من العام الماضي، والسقوط المدوّي للحكومة الأفغانية التي كانت تساندها واشنطن عشرين عاماً. وغيرها من مواضيع فشلت فيها إدارته، لا سيما التأثير على الحليفة التاريخية لأميركا، وهي السعودية، لزيادة إنتاجها من الطاقة، علّ ذلك يخفض من الأسعار التي تأثرت بعد حرب أوكرانيا وسبّبت ارتفاعاً في التضخم في الولايات المتحدة.

يثير اغتيال الظواهري تساؤلات بشأن التوقيت، وما إذا كان فعلاً جزءاً من سلسلة حرب واشنطن على الإرهاب

التخلص من الظواهري على بعد ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة تطوّر يصبّ في تحسين مزاج الناخب عند شعبية الحزب الديمقراطي، كي لا يُصاب الحزب بخسارة لمجلسي الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فيصبح الرئيس في النصف الثاني من ولايته مكبّل القرارات.

تدور الشكوك بشأن تسليم حركة طالبان رأس الظواهري مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، لا سيما أن العملية تزامنت مع وصول 40 مليون دولار إلى كابول على شكل مساعدات. وذكرت صحيفة The Frontier Post أن مجموعة دورية من الأموال النقدية وصلت إلى عاصمة أفغانستان في إطار المساعدات الإنسانية.

صفقة تهتم فيها الإدارة الأميركية بدعم الحركة في آسيا لأن تناميها هو بمثابة مصدر قلق؛ من جهة تدعم التطرّف السني المعارض للتطرف الشيعي في إيران، والداعم لحركة التحرير للإيغور المسلمين في الإقليم الصيني المعارض للنظام، والرافض عودة القيصرية الروسية التي تهمّ بضم دول الغلاف للاتحاد السوفييتي السابق.

ربما لجأت الإدارة الأميركية إلى تكتيكها الاستراتيجي المتبّع دائماً، إذ يلاحظ أن أي إدارة أميركية تتدنى شعبيتها تلجأ إلى "قتل إرهابي"، فجورج بوش الابن استخدم ورقة قتل أبو مصعب الزرقاوي، وباراك أوباما استخدم ورقة قتل أسامة بن لادن، أما دونالد ترامب فاستخدم ورقة قتل أبو بكر البغدادي، ويستخدم بايدن اليوم ورقة الظواهري لتحسين وضعية حزبه في الانتخابات.

تمكّن بايدن من قلب حظوظ حزبه المتراجعة وشعبيته المتدنية

يثير اغتيال الظواهري تساؤلات بشأن التوقيت، وما إذا كان فعلاً جزءاً من سلسلة حرب واشنطن على الإرهاب، أم أنه كان لأهداف انتخابية، خصوصاً أن تنظيم القاعدة لم يقم بهجوم قوي ضد واشنطن منذ فترة طويلة. لهذا، وفقاً لمحللين أميركيين، فإن الاغتيال هو إحدى جولات معركة واشنطن ضد الإرهاب، إذ إنهم شكّكوا في أن يكون توقيت الاغتيال مرتبطاً بالسياسة الداخلية الأميركية، أو أن يكون لجذب نظر الناخب الأميركي. يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز، دانيال سيروار، أن "الأميركيين في ما يخص الحرب على الإرهاب يتصرّفون كلما أمكنهم ذلك، وبالتالي، الفرصة للوصول إلى الهدف هي التي تحدّد توقيت الاغتيال".

قد يكون الأمر مرتبطاً بالفرصة، ولكن الأكيد أنّ هناك سلسلة من الأحداث التي رافقت هذه الفرصة، وسمحت لإدارة بايدن باقتناصها وأخذها في صالح التأثير على الصوت الناخب، في وقتٍ يدور فيه حديث داخل الولايات المتحدة عن تأسيس حزب جديد، يطيح الحزبين التقليديين اللذين حكما الولايات المتحدة منذ تأسيسها.

أخيراً، شعبية ووقت ودعاية انتخابية هي ثلاثة مكاسب أحرزها بايدن والديمقراطيون بعد التخلص من الظواهري، هذا ما رفع من أسهم "حزب الرئيس" في انتخابات التجديد النصفي. إذ قبل حوالي أربعة أشهر من الانتخابات، تمكن بايدن من قلب حظوظ حزبه المتراجعة وشعبيته المتدنية، وكانت سياسة التكتيك التقليدية تعيد القرار إلى البيت الأبيض، لا سيما أن الاستحقاقات كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق بروسيا والصين.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب