ماذا تعني العقوبات الأميركية الجديدة؟

ماذا تعني العقوبات الأميركية الجديدة؟

01 اغسطس 2021
+ الخط -

لم تُبدِ إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أيّ ميل إلى التدخل السياسي في الحرب السورية، فحافظت على مستويات تحالفاتها وقدرتها العسكرية الموجودة منذ عهد الرئيس دونالد ترامب. واستبق بايدن لقاءه، في قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل شهر، باستثنائه شركتين مملوكتين لرجال أعمال محسوبين على رأس النظام السوري، من العقوبات، تحت بند أنّهما تعملان في مجالاتٍ طبيةٍ لها علاقة بالسيطرة على مرض كورونا. كما تم الإيعاز بمتابعة التعاون مع النظام السوري في هذا المجال، والمبرّر هنا إنساني وصحي متعلق بمكافحة المرض العالمي. بعد ذلك اللقاء بين الرئيسين، لم يتم التطرق للموضوع السوري إلّا عن استمرار عبور المساعدات الإنسانية إلى ثلاثة ملايين سوري موجودين في مناطق محرّرة في الشمال، ليحصلوا على مستلزماتهم الأساسية من معبر باب الهوى.. الممانعة الأساسية التي تُبديها إدارة بايدن هي في وجه مشاريع إعادة الإعمار ومحاولة إنعاش الاقتصاد السوري، وهو موقفٌ يتعلق بشكل أكبر بروسيا وإيران المستفيدتين الرئيسيتين من إعادة تشغيل الاقتصاد في سورية.

كان ترامب أكثر نشاطاً وجدّية في معاقبة النظام السوري، حين وصل عدد الكيانات والشخصيات التي شملتها العقوبات في فترة حكمه إلى 114، استهدفت قطاعات السياسة والاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان. واليوم يتجاوز عمر إدارة بايدن في البيت الأبيض ستة أشهر، ويبدأ أعضاء في الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بتوجيه انتقادات للرئيس لعدم إصداره أيّ عقوبةٍ ضد النظام، فتتحرّك وزارة الخزانة الأميركية، وتوجه مجموعة من العقوبات إلى كيانات وشخصيات سورية بلغ عددها ثلاثة عشر، تابعة للنظام، منها ثمانية كيانات والبقية من الأفراد. يتقاسم المعاقبون صفةً حرصت قرارات العقوبات على إبرازها، لتؤكد كيف تنظر الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة بايدن، إلى الحرب السورية، فأتت جميعها تحت يافطة "انتهاك حقوق الإنسان" إذ أطلق وصف السجون على الكيانات الثمانية، وبصورة بديهية، أصبحت الشخصيات الخمسة المعاقبة، لها صفة "سجانين". وعلى الرغم من أنّ المخابرات العسكرية السورية، وهي إحدى الجهات الأمنية الأربع التي تتولى الأمن والقمع داخل سورية، مشمولة في عقوباتٍ سابقة، وأدرجتها وزارة الخزانة الأميركية، منذ مايو/ أيار 2011، ضمن فئة من يستخدمون القوة والقمع ضد المتظاهرين والمدنيين، فقد تم اليوم إدراج ستة من سجون فروعها الأمنية، بالإضافة إلى سجن صيدنايا الشهير، ضمن العقوبات الجديدة! كما شمل القرار سجناً تابعاً لإدارة المخابرات العامة المعروف بأمن الدولة، أو سجن الفرع 251.

تقارب إدارة بايدن الحرب السورية من باب الأزمة الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان، ويبدو الرئيس الأميركي أكثر اهتماماً بالشأن الإنساني في سورية من أي موضوع سياسي، فجميع ما اتخذه من قرارات، وكلّ نشاطات إدارته السياسية، موجهة بشكل كبير إلى هذا الشأن. وقد ضغطت إدارته جدّياً على روسيا لتمرير اتفاقٍ بخصوص المعبر الوحيد الذي تدخل منه المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري. وتأتي هذه العقوبات الخاصة بالكيانات الثمانية والشخصيات الخمسة لتؤكد هذا التوجّه، وكأنها تختصر سنوات الحرب العشر التي أقحم فيها الشعب السوري لمطالبته بتغيير سياسي بمجموعةٍ من القرارات الإنسانية، وتغطية واحد من جوانب المطالبات، وهذا لا يكفي بالتأكيد لتفكيك المأزق السوري السياسي في المقام الأول. أما التبعات الإنسانية والاقتصادية فهي أثر جانبي نشأ عن تصلّب النظام واستقوائه بروسيا وإيران، وهذه التبعات مرشّحة للزيادة التراكمية، مهما بلغت درجة التداخل الأميركي "الإنساني".

ترسل الإدارة الأميركية عبر هذه العقوبات رسائل بأنها مصرّة على عدم التداخل المباشر، وقد تكون قراراتها الأخرى، المتعلقة بسحب قواتها من أفغانستان والعراق، مقدمة ربما لسحب قواتها من سورية، بما يعني فراغاً يمكن أن ينشأ بعده صراع بين باقي القوى لملئه، سيُحدث حروبا جديدة ومآسي أخرى، ومصاعب إنسانية كبيرة، ربما تساهم أميركا في حلّ بعضها، لتبقى المشكلة الأساسية التي يعاني منها السوريون منذ عقود من دون حلّ.