ماذا بعد قمّة الدوحة؟
جانب من القمّة العربية الإسلامية في الدوحة (15/5/2025 الأناضول)
على الرغم مما تضمنه البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية، التي انعقدت في الدوحة الاثنين الفائت، من إدانةٍ للعدوان الإسرائيلي الذي استهدف وفدَ حركة حماس المُفاوضَ، وتأكيدٍ على الأمن الجماعي والمصير المشترك الذي يجمع الدول العربية والإسلامية، ورفضِ المخططات الإسرائيلية لأجل فرض واقع جديد في المنطقة، وفي مقدمتها محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، على الرغم من ذلك كله، خلا البيان من أي إشارة إلى التدابير العملية التي ستشرع هذه الدول في تنفيذها ردّاً على الغطرسة الإسرائيلية. صحيح أن نبرته بدت متشدّدةً في بعض مواضعه، إلا أن المأمول كان، على الأقل، فرض عقوبات اقتصادية على دولة الاحتلال، وسحب السفراء والقائمين بالأعمال من عاصمتها، والتعليق الفوري لاتفاقات التطبيع الإبراهيمية التي أبرمتها دول عربية معها.
لم يكن العدوان الإسرائيلي على قطر مجرّد مقطع عابر في السجل الأسود لجرائم الكيان الصهيوني في الإقليم، بقدر ما كان منعطفا نوعيا، توخّى منه هذا الكيان الانتقال إلى أبعد طورٍ ممكنٍ في توحّشه؛ لم يكن الهدف الإسرائيلي، هذه المرّة، يقع خلف الجبهات الإقليمية التقليدية (إيران، لبنان، سورية...)، بل داخل المنظومة الخليجية التي تُصنف من ركائز محور ''الاعتدال العربي''. وبذلك نجحت حكومة بنيامين نتنياهو في نقل الاستباحة الإسرائيلية إلى طور غير مسبوق، باستهدافها دولة خليجية ذات سيادة، وليست في حالة حرب معها، فضلا عن دور الوساطة الذي تقوم به، بموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها، من أجل وقف الحرب والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في غزّة.
لقد أشّر الهجوم على الدوحة، بقدر أو بآخر، إلى أن الخليج العربي لم يعد خارج هذه الاستباحة، فأي عاصمة أو مدينة عربية باتت، بعد 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، مرشحة لتكون في مرمى الطيران الحربي الإسرائيلي إذا ما توفّرت الذرائع، التي لن تعدَم دولةُ الاحتلال الوسيلة لصناعتها وترويجها بدعم سياسي وإعلامي أميركي وغربي. لقد وضع هذا الهجوم النظامَ الرسمي العربي أمام تحدٍّ غير متوقع. وقد كان دالا استهداف دولة الاحتلال الدوحة بتزامن مع استهدافها مواقعَ في دمشق وإحدى سفن "أسطول الصمود" التي كانت راسيةً في ميناء سيدي بوسعيد في تونس.
بالطبع، أسئلة مكرورةٌ تستجد بشأن أسباب القصور العربي، والإسلامي أيضا، في مواجهة توحش دولة الاحتلال الذي تخطى كل الحدود، وبات ينذر بما لا يمكن توقعه في مقبل الأيام، مع استمرار تمتعها بالإفلات من العقاب ودعمِ مراكز القوة والنفوذ الكبرى في العالم.
سيكون من نافل القول إن الدول العربية، بما تتوفر عليه من موارد ومقدرات، باتت مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ تدابير عملية وعاجلة لإيقاف الوحش الإسرائيلي الذي سيأتي على الأخضر واليابس؛ لم يعد الأمر يرتبط فقط بحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير الجارية في قطاع غزة، بل بالأمن الوطني لكل بلد عربي، أيا كان موقعه داخل الجغرافية العربية. ولعل أول هذه التدابير البحث عن فجوات في النظام الدولي، تسمح بتوظيف التناقضات البنيوية بين القوى الدولية الكبرى. لقد ثبت بالملموس أن الولايات المتحدة ليست حليفا موثوقا به بالنسبة لأقرب حلفائها، خاصة بعد ما تردد بشأن علم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالهجوم الإسرائيلي على قطر قبل حدوثه. صحيح أن إدارة ترامب أبدت استياءها (وليس غضبها) من الهجوم، لكنها في نهاية الأمر بدت متفهِّمةً له، على اعتبار أنه كان يستهدف قادة "حماس"، المنظّمة المصنفة أميركيا "إرهابية". يتعلق الأمر بارتهان أميركي للسردية الصهيونية، بما يعنيه ذلك من استعداد هذه الإدارة للتضحية حتى بأقرب حلفائها إن اقتضى الأمر، والذهاب بعيدا في تحمُّل تكاليف حماية حليفتها الكبرى من العقاب.
بقاء التدابير المعلنة في قمّة الدوحة من دون تفعيلٍ سيصبّ، بلا شك، في مصلحة دولة الاحتلال، التي لن تتردد مرّة أخرى في الدفع بتوحّشها إلى حدودٍ أبعد من هجوم الدوحة، في ظل ما تتمتع به من دعم سياسي وعسكري أميركي غير مشروط,