مؤتمر فلسطينيي الخارج .. أسئلة الإنجاز والمسار

مؤتمر فلسطينيي الخارج .. أسئلة الإنجاز والمسار

09 مارس 2022
+ الخط -

يثير انعقاد الدورة الثانية من "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" في إسطنبول (26- 27 فبراير/ شباط 2022) أسئلةً بشأن إنجازاته ومساراته المستقبلية، سيما بعد مرور خمسة أعوام على انعقاده الأول تحت شعار "مشروعنا الوطني طريق عودتنا"، الذي تزامن، آنذاك، مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، وبداية تبلور "صفقة القرن"، ما دفع جموع الشعب الفلسطيني إلى التكتّل، ولو آنياً ومرحلياً، بغية مقاومة ذلك الطرح.

وفي سياق تقييم هذا المؤتمر، يمكن تسجيل عدة ملاحظات؛ أولاها تتعلق بمضمون الكتيب التعريفي للمؤتمر، الذي يشير إلى إطلاقه عدة مبادرات ومشاريع تخصصية، منها: رابطة المرأة الفلسطينية في الخارج، شبكة شباب فلسطين في الخارج، الهيئة الدولية للدفاع عن النقابيين والمهنيين الفلسطينيين، منصّة سراج التعليمية، حملة التضامن الوطنية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، منصّة فلسطينيون محترفون، اتحاد الأكاديميين الفلسطينيين في الخارج، فريق جذور التطوعي. وقد جاءت لغة الكتيب محمّلة بالإيحاءات الرمزية، ربما لتغطية هاجس التأكيد على دور المؤتمر وإنجازاته العديدة، انطلاقاً من رؤيته وسعيه إلى "أن يكون أوسع إطار شعبي لفلسطينيي الخارج، يعمل على تفعيل دورهم في المشاركة في صناعة القرار الوطني، ويمثل مطالبهم في استعادة كامل الحقوق الفلسطينية بكل مكوناتها، مع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والمشاركة فيها".

بيد أن هذا الخطاب الرمزي لم ينعكس في مداخلات أغلب المشاركين في دورة الشهر الماضي (فبراير/ شباط) التي اتسمت بالمبالغة في انتقاد السلطة الفلسطينية، سيما بعد ابتلاعها مؤسّسات منظمة التحرير؛ إذ جرى تحميل اتفاقات أوسلو وفريق محمود عباس كلّ المسؤولية عن مأزق المشروع الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع غضّ الطرف تماماً عن مسؤولية حركة حماس عن هذا المأزق، كونها تتولّى السلطة في غزة منذ ربيع عام 2006، ولم تبذل أي جهد حقيقي في حل معضلة الانقسام الفلسطيني، بل "أدارته"، كي تحافظ على سلطتها في غزّة، وتدعم حضورها بين فلسطينيي الخارج، ضمن حساباتٍ خاطئة تتمنّى تحسّن موقعها عربياً وإقليمياً، بعد كل مواجهة تخوضها ضد إسرائيل، فضلاً عن ممارستها "سياسة انتظار سلبية"، تتنكّر لدروس الثورات العربية، خصوصاً مسألة رصّ الصف الداخلي، وإعادة ترتيب البيت الوطني، والاعتماد على الذات في إنجاز الأهداف الوطنية، (بدل الاعتماد على التحالفات الخارجية، مع حركة الإخوان المسلمين وإيران وغيرهما، مع وَهْم أن الأمور ستتدحرج وتؤول لمصلحة حماس في النهاية).

تتعلق الملاحظة الثانية بتناقص عدد الحاضرين في المؤتمر، (من حوالي ستة آلاف في دورة 2017 إلى ألف شخص في الدورة الحالية)، ما قد يفسّر توجّه المؤتمر نحو التركيز على الأمور الرمزية، كما يتضح من شعار "القدس موعدنا"، وإطلاق فعاليات "أسبوع القدس العالمي"، وبث كلمتين في الجلسة الافتتاحية، لخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، والأب مانويل مسلم، رئيس "الهيئة الشعبية العالمية لعدالة وسلام القدس"، فضلاً عن إطلاق "عهد فلسطينيي الخارج للقدس وفلسطين".

تناقص عدد الحاضرين في المؤتمر، (من حوالي ستة آلاف في دورة 2017 إلى ألف شخص في الدورة الحالية)، ما قد يفسّر توجّه المؤتمر نحو التركيز على الأمور الرمزية

وعلى الرغم من أهمية الرموز والهوية والثقافة والذاكرة الوطنية، فإن التساؤل عن "استهلاك الرمزية" يبقى مشروعاً، سيما إذا جرى دمجها في إطار "توظيفي/ تكتيكي/ آني"، لخدمة سياسات فصائلية، تستبطن الصراع الداخلي والمناكفات السياسية.

وإذا كان فريق أوسلو وسلطة رام الله "استهلكا" بالفعل "رمزية" منظمة التحرير الفلسطينية عبر الانخراط في عملية التسوية، فإن قيادة حركة حماس ارتكبت خطأ مشابهاً بحق "رمزية المقاومة"، على نحو ما تجلّى في زيارة رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، المغرب في يوليو/ تموز الماضي، لدعم حكومة حزب العدالة والتنمية، التي وقّعت اتفاقات التطبيع مع إسرائيل. ويكشف هنية ذلك بالقول "لدينا ملفات على طاولة الملك"، تصاعد مأزق الحركة، عربياً ودولياً، وبحثها عن حلفاء حتى لو كانوا من أنصار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يضرّ المصلحة الوطنية الفلسطينية على المدى البعيد.

تتعلق الملاحظة الثالثة بتداخل الشخصيات والمنصّات التحضيرية بين المؤتمر، و"مؤتمرات فلسطينيي أوروبا"، التي كانت، بالمقارنة، أكثر انتظاماً في دورات انعقادها؛ إذ بلغت 19 مرة، آخرها في الدنمارك (سبتمبر/ أيلول 2021).

ومؤكّد أن مؤتمر فلسطينيي الخارج يستفيد من هيئات نقابية وشعبية وأطر حزبية، سيما في سورية ولبنان والأردن وتركيا، أقدم في وجودها من تأسيسه (فبراير/ شباط 2017). كما أنه يروّج دوره ونشاطه الفعّال، عبر زعم الإشراف على أعمال ومساعدات تقدّمها جمعيات فلسطينية في أوروبا، (مثل تجمّع الأطباء الفلسطينيين في ألمانيا)، إضافةً إلى ادّعاء نجاح المؤتمر في التشبيك والتنسيق بين المؤسسات العاملة لفلسطين وحركة الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأميركا، بهدف تحفيز تعاطف شعوب العالم مع قضية فلسطين، بعد عملية سيف القدس في مايو/ أيار الماضي.

تحقيق نقلة نوعية في دور فلسطينيي الخارج لا يبدو ممكناً، بدون التركيز على فئة الشباب، بالتوازي مع انتفاضة شعبية شاملة

وبغضّ النظر عن هذه الأمور، يصعب تجاهل السياق الدولي الضاغط على حركة حماس، (وهي مركز الثقل الحقيقي في تحريك مؤتمر فلسطينيي الخارج)؛ إذ يمكن ربط تكرار انعقاده في إسطنبول (حيث الثقل التنظيمي المتصاعد للحركة)، بالتضييق الذي تتعرّض له بعد قرار كل من بريطانيا وأستراليا تصنيف الحركة "إرهابية". ويبدو أنها تتوجّه لتعزيز علاقاتها بالمستقلين الفلسطينيين ومعارضي نهج أوسلو عموماً، في سياق ما سمّاه "البيان الختامي للمؤتمر العام الثاني للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج"، الدعوة إلى "تشكيل جبهة وطنية متحدة من القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية، لتحمّل المسؤولية الوطنية في مواصلة مسار الدفاع عن شعبنا وثوابت قضيتنا في المواجهة اليومية للاحتلال والاستيطان، ومخطّطاته في اقتلاع أهلنا من أرضهم وأحيائهم، كما يحدث في الشيخ جراح وسلوان والنقب، ولتكون هذه الجبهة الوطنية خطوة مهمة على طريق توحيد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وحشد قواه الحية في معركة التحرير والعودة في مواجهة الاحتلال الصهيوني".

تتعلق الملاحظة الرابعة برسائل التجديد لرئيس المؤتمر (منير شفيق)، وإجراء "انتخابات شكلية" لهيئة المؤتمر وأمانته العامة، التي تقول، تصريحاً وليس تلميحاً، بإمكانية إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، على الرغم من تلكؤ السلطة الفلسطينية ومناوراتها. ويكشف ذلك، توجّه "حماس" نحو تطوير أدوات الانقسام الفلسطيني، ونقله من الداخل إلى الخارج، وربما التحضير لاغتنام أية فرصة مواتية، لطرح نفسها قيادة لكل الشعب الفلسطيني، والهيمنة على مؤسّساته، بعد فشل جهود إنهاء الانقسام.

جرى تحميل اتفاقات أوسلو وفريق محمود عباس كلّ المسؤولية عن مأزق المشروع الوطني الفلسطيني، مع غضّ الطرف عن مسؤولية حماس

تتعلق الملاحظة الخامسة بالانحيازات المعلنة للمؤتمر وإشكالاته وطابعه الاحتفالي الموسمي، الذي يؤكد كونه "تظاهرة إعلامية فولكلورية موسمية"، لا ترقى إلى مستوى الفعل السياسي المؤسّسي القادر على توفير الرؤية الاستراتيجية المستقبلية (بمكوناتها من البرامج السياسية، والأطر الجامعة التي تحدّد الأجندات الوطنية، والأهداف السياسية بحدودها الدنيا والقصوى)، بما ينعكس إيجاباً على مسار قضية فلسطين، بأبعادها الوطنية والعربية والعالمية والإنسانية.

ختاماً، يبقى القول إن تحقيق نقلة نوعية في دور فلسطينيي الخارج لا يبدو ممكناً، بدون التركيز على فئة الشباب، بالتوازي مع انتفاضة شعبية شاملة، تستلهم دروس الإضراب الشامل في فلسطين التاريخية 18 مايو/ أيار الماضي، ما يؤكّد الحاجة إلى أمرين، أحدهما التخفّف من الروح الفصائلية والأنانية السياسية، والعودة إلى طرح وطني جامع وجذّاب يضم الكلّ الفلسطيني، في غزة، والضفة الغربية، وفلسطينيي 48، والخارج الفلسطيني، من دون تحيّز لضلع واحد من أضلاع هذا المربع. والآخر هو "بلورة استراتيجية جديدة، تقوم على انخراط الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة في المعركة ضد نظام الأبارتهايد العنصري. وهذا يحتاج درجة عالية من التنظيم والتنسيق، من دون التنازل عن خصوصية كل تجمّع فلسطيني وطبيعة جبهة المواجهة التي يخوضها؛ فلا يجوز أن تكون تجمّعات الشعب الفلسطيني كلها خاضعةً لأجندات سلطة فلسطينية أو سلطتين. ومن هنا أهمية وجود قيادات محلية تتمتع باستقلالية بشأن قضايا قاعدتها الاجتماعية ومواطنيها، وإطار جامع يحدد الأجندات الوطنية الجامعة"، كما يرى عزمي بشارة في دراسته الرائدة، "صفقة ترامب – نتنياهو.. الطريق إلى النص ومنه الإجابة عن سؤال ما العمل؟".

C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
أمجد أحمد جبريل

باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.

أمجد أحمد جبريل