مؤتمر حوار لحلّ المسألة الكردية في سورية

سورية كردية في احتجاج ضد نظام الأسد في القامشلي (2/12/2024 فرانس برس)
على أصحاب القرار في سورية أن يستبعدوا السلاح من أيّ مسألة داخلية، مهما بلغت من الأهمية، والبحث عن حلول للقضايا المعقّدة بالحوار، لأن العنف لا ينهي خلافاً، ولا يعزّز وجهة نظر بقدر ما يولّد من مشكلات، سوف تتفاقم مع الوقت لتتحوّل أزماتٍ متفجّرةً، تستهلك الطاقات العامّة، وتفتح أبواب المستقبل على سلسلة من العداوات والحروب.
أحد مولدات ثورة عام 2011 هو الاحتجاج على القمع الرهيب، وتكميم الأفواه، ومصادرة حرّية التعبير، وعلى العهد الجديد أن يقطع أولاً مع نهج النظام السابق، ويتعامل مع السوريين مواطنين لهم كامل الحقوق في دولة القانون، وليس رعاياً تتكرّم عليهم السلطة بما تجود به. وعلى هذا المنوال، لا بدّ من إدراك عميق لما تركه نظام الحزب الواحد والعائلة الأسدية من ملفات معقّدة، يتطلّب نفض الغبار عنها سعة صدر وحكمة، من دون تسرّع وحسابات آنية.
الاستخفاف بالمسألة الكردية في سورية لا يحلّها، وإذا لم يجر تشخيصها على نحو دقيق، فإن التعامل معها سيُحدث مشكلات إضافية، ولن يقود إلى إنهائها. ولا يمكن للدولة ومواطنيها الأكراد، ومجتمع شرق سورية المتنوّع والمتعدّد، العربي وغير العربي، أن يخرجوا من عنق الزجاجة من دون حوار صريح، يشارك فيه الجميع لوضع النقاط على الحروف، والخروج بتفاهمات مشتركة حول مستقبل منطقة شرق سورية، التي عانت من التمييز منذ قيام الكيان السوري.
وليس صحيحاً أن الكرد وحدهم من يمتلكون مظلومية خاصّة في هذه المنطقة، بل العرب أيضاً، الذين ترفد منطقتهم الموازنة السورية بما يتجاوز 40% من عائداتها، في حين أنها لا تحظى بقدر من خدمات التعليم والصحّة والبنى التحتية والتمثيل في مؤسّسات الدولة أسوة ببقية المحافظات، ولهذا ترتفع أصوات عربية من الجزيرة السورية تطالب بأخذ معاناة أهلها بعين الاعتبار، وعدم اختصار الأمر بالظلم التاريخي الذي لحق بالأكراد، وهو صحيح، ويحتاج إلى علاج جذري بالتفاهم، وليس بالحرب والابتزاز، وفرض أجندات أجنبية.
لا يتلخّص شرق سورية في أنه أرض ثروات نفطية وزراعية ومشكلة كردية مزمنة، بل هو مركّب معقّد من القضايا المتداخلة سكّانياً وثقافياً واقتصادياً، وما لم تُدرَك هذه الحقيقة، فإنه لن يتم الوصول إلى حلّ شامل، وقد تذهب الجهود في اتجاه وتغفل بقية الاتجاهات، وتُسوَّى مسألة على حساب أخرى. ويعتمد نجاح سياق الحلّ الشامل على تحريم استخدام السلاح في الحوار من أجل التوصّل إلى حلّ سياسي، وعدم استخدام ثروات المنطقة وظروف أهلها أوراق ضغط، وأن تتوقّف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن احتكار تمثيل أكراد سورية، وتخرج من المعادلة المقاتلين الذين التحقوا بها من خارج الحدود، وتقدّم كشف حساب عن عائدات نفط المنطقة التي تسيطر عليها.
العلاج العادل لمشاكل المنطقة هو المدروس والمتأني، والذي يتم بمشاركة الجميع من خلال مؤتمر حوار حول وضع شرق سورية، يشارك فيه أهل المنطقة، تحت سقف الدولة السورية، التي هي ملك جميع السوريين، وأن يتم فيه طرح المشاكل كافّة، والنقاش من حولها، للوصول إلى حلول تنهي قضية التمييز، وتضع خطّة تنمية شاملة للمنطقة تقوم على توظيف جزء من الثروة النفطية للتنمية المحلّية، وإحياء المشاريع الزراعية التي تضرّرت بسبب الجفاف وقلّة المياه، بما في ذلك العودة إلى مشروع الغاب السوري بالتعاون مع تركيا، التي تمتلك الماء.
أسلوب المفاوضات الثنائية مع "قسد"، والوساطات التي تقوم بها أطراف خارجية، كرئيس إقليم كردستان السابق مسعود البرزاني، مؤشّرات جيّدة إلى توجّه الأطراف كافّة، لكنّها لا تغني عن مؤتمر حوار شامل يخصّ جميع أهل شرق سورية للاتفاق على أسس لحلول مستدامة.

