مؤتمر باريس... دعم ووعود لسورية

16 فبراير 2025

ماكرون يتوسّط وزراء ومسؤولين مشاركين في مؤتمر باريس لدعم سورية (13/2/2025 فرانس برس)

+ الخط -

تفاعل المجتمع الدولي بشكل جيد مع سورية بعد سقوط نظام الأسد، وتسارعت دول عربية وأجنبية إلى إظهار دعم عملية التغيير المفاجئة التي حدثت. وأمس، اجتمعت 20 دولة مرة أخرى في باريس، ولهذه المدينة دلالة، حيث تمثل باريس مع برلين قلب الوحدة الأوروبية، ووزيرة خارجية ألمانيا شاركت في الاجتماع الذي كان عنوانه العريض دعم سورية... وتحت هذا المسمّى أصدر المجتمعون بياناً اعتبروه سيشكل وحدة سياسية وقانونية بشأن ما يمكن أن يحدث في سورية، وقد كان التمثيل متنوعاً وشاملاً، فقد جاءت دول مجلس الأمن التي لم تكن داعمة لنظام بشّار الأسد، وحضرت دول الجوار، بما فيها العراق ولبنان، ومن أميركا الشمالية جاءت كندا والولايات المتحدة، وكان مندوب اليابان بما تمثله هذه الدولة في قارّة آسيا من الحضور. كان هؤلاء جميعاً في قاعدة واحدة، وأصدروا بياناً وضع أملاً كبيراً في أحمد الشرع بشكل شخصي لاستكمال المرحلة الانتقالية، مع اعتبار أن الحكومة الحالية ستتغيّر كما وعد الشرع بعد أن يمر عليها ثلاثة أشهر، تتجاوز فيها سورية منعطفاتها الأمنية الخطيرة، وتثبت الأمن في البلاد، وسيكون إعلان التشكيل الجديد للحكومة بعد مرور الشهر المتبقي، ولكن البيان ذكّر الشرع بأن الوزارة الجديدة يجب أن تكون شاملة وذات تمثيل يحمل مصداقية شعبية. جرت صياغة البند وكأنه توصية، رغم أنه يمكن أن يكون شرطاً، إذ أكد البيان على ضمان نجاح المرحلة الانتقالية ما بعد الأسد، في إطار عمليةٍ يقودها السوريون ويتسلّمون زمامها، وقد أشار البيان إلى الأخذ بروح المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254، وقال المبعوث الأممي، غير بيدرسون، إن القرار يمكن تعديله وفق المعطيات الجديدة، باعتبار أن نظام الأسد قد سقط، ويمكن تحوير بعض البنود التي جاءت على ذكره.

وقع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني موافقاً على ما ورد في البيان، وهذا يعكس بالطبع رأي الإدارة الجديدة وقبولها تنفيذ بنوده بالسرعة الممكنة، وكان قرار تشكيل اللجنة المشرفة على مؤتمر الحوار الوطني في الداخل قد سبق انعقاد المؤتمر بيوم، ما شكّل تمهيداً موفقاً ربما ساعد في الحصول على مكافأة في نهاية الاجتماع، فبالإضافة إلى تقديم 50 مليون يورو لدعم جهود الاستقرار في سورية، دعا ماكرون الرئيس الشرع إلى زيارة باريس، وهي خطوة دبلوماسية هامة في تثبيت الإدارة الجديدة، فماكرون يمثل ثقلاً في الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن تنسحب خطوته على طول هذه المنظمة، وكان من النتائج الجيدة تشديد البيان، وكذلك فعل ماكرون على مسار العدالة الانتقالية، بمعنى أن المجتمعين لم ينسوا ما حصل خلال الأعوام الأربع عشرة المنصرمة للشعب السوري، وكمية المعاناة التي لحقت به. ويجعل هذا البند باب المطالبة بكل المجرمين الفارّين خارج سورية مفتوحاً، حتى سوقهم إلى العدالة. لكن تنفيذ مطلب ماكرون دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن الجيش السوري الجديد يبقى معلَّقاً، ففي الداخل لم يأتِ منظّمو مؤتمر الحوار الوطني لرسم مستقبل سورية على ذكر أي تمثيل لشرق الفرات.

مؤكد أن الاجتماع في باريس لن يكون الأخير، ولكن من المهم تنفيذ ما ورد في خريطة الطريق التي أعلنها الشرع نفسه في أحد لقاءاته المتلفزة، والاستحقاق الحالي والملحّ هو الحكومة الجديدة، ولا سيما أن الحكومة الحالية قد طاولتها سهام النقد، ومن المفيد توخي بعض المعايير العامة في التشكيل، لإقناع المجتمع الدولي به، فقد يدفع ذلك إلى تسريع رفع ما بقي من عقوبات، وزيادة المساعدات، بعد ضمان عدم تكرار ما حدث في سورية في فترة الأسد. وتبدو الوزارة المرتقبة ذات التمثيل الواسع الخطوة اللازمة لتحصل سورية على مكانتها مرّة جديدة، ويرتفع كل حرج عن التعامل معها لإدارة المرحلة المقبلة.