مأزق إيران أمام ترامب
نساء إيرانيات في مسيرة في طهران ضد ترامب (3/11/2024 Getty)
بعد الانكسارات المتتالية التي تعرّضت لها إيران قبل انتهاء عام 2024، لم تعد أمامها خيارات كثيرة متاحة، وهي تستعدّ للتعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد فقدت أوراقاً كثيرة كانت توفّر لها حرّيةً في الحركة، وقدرة على المناورة وممارسة نفوذ إقليمي واسع عبر أذرعها ووكلائها في المنطقة. إن سقوط أولئك الوكلاء واحداً تلو الآخر، وضع النظام في إيران أمام مأزق تاريخي ومحدودية في البدائل الممكنة، ربّما لم تشهده طهران منذ الحرب ضدّ العراق مطلع الثمانينيّات. بل إن الوضع الراهن أشدّ صعوبةً على الإيرانيين، شعباً ونظاماً، حيث لم يعد الغطاء الدولي متوافراً، وتراجع إلى حدّ كبير دعم الحلفاء العالميين وجاهزيتهم للمساندة، فلكلّ منهم أولوياته وفقاً لتحدّياتٍ وقيودٍ تزايدت خلال العامين الماضيين، خصوصاً في ظلّ انهماك روسيا في الحرب الأوكرانية، وما صاحبها من ضغوط واستنزاف لقدرات موسكو الاقتصادية والعسكرية.
وبينما تتساقط أوراق إيران الإقليمية تباعاً، من حزب الله إلى بشّار الأسد، ثمّ الحوثيين، وربّما قريباً أيضاً الحشد الشعبي في العراق، كان الأميركيون يختارون دونالد ترامب رئيساً للفترة الرئاسية الجديدة، وهو ما يجعل إيران في حالة انضغاط شديد أمامه، وهو الذي بادر خلال رئاسته الأولى (2016 – 2020) إلى وقف العمل بالاتفاق النووي، وتغيير السياسة الأميركية تجاه طهران من الحوار إلى سياسة "الضغوط القصوى"، وتجديد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية وتوسيعهما.
الجانب الإيجابي الوحيد تقريباً في قدرات إيران حالياً، هو التقدّم الذي حقّقته في أنشطتها النووية، والذي وصلت فيه إلى مستوىً متقدّم، خصوصاً بتعظيم إنتاجها من اليورانيوم المخصّب بدرجة أعلى من 60%. ورغم أن البرنامج النووي كان (ولا يزال) ورقةً قوية وفعّالة لصالح طهران، إلا أنه عند التقييم الفعلي (من منظور عملي والقابلية للاستخدام والتطوير) يواجه قيوداً كثيرة تقنية وفنّية بالأساس. بالتالي، لا خيارات كثيرة تملكها إيران في التعامل مع دونالد ترامب، وهو ما يجعلها مضطرة إلى التفاهم، والتوصّل إلى اتفاق يسمح لها بتجنّب مزيد من العقوبات والضغوط الأميركية، بل إن براغماتية نظام الملالي في إيران، تزيد فرص التوافق ومساحة التفاهم مع ترامب، البراغماتي أيضاً بامتياز.
إجمالاً التفاهم بين واشنطن وطهران متوقّع في وجود عقلية صانع السجّاد الإيراني، مع رجل الصفقات الأميركي، لكن يظلّ توقيت التفاهم ونطاقه مرهونان بعوامل بعضها ذاتي وبعضها خارجي. وأول هذه العوامل هو العامل الإسرائيلي، فالهواجس الأمنية الملازمة للسياسة الإسرائيلية تجعل صفقات ترامب في الشرق الأوسط أشبه بمغامرات غير محسوبة، وتحمل مخاطرةً كبيرةً بالنسبة إلى تلّ أبيب، خصوصاً إذا تقاطعت أيّ تفاهمات مع إيران (أو غيرها) مع مواقف اليمين المتطرّف، الذي بات يحرّك الإسرائيليين شعباً وحكومة.
هناك أيضاً مواقف دول في المنطقة (عربية وغير عربية) تضرّرت سابقاً من الاتفاق النووي. ويمثّل تجديد التفاهم الأميركي الإيراني مصدر تهديد لأمنها ومصالحها. وبما أن ترامب يملك منذ ولايته الأولى مشروعاً إقليمياً للشرق الأوسط، يُعرَف بـ"صفقة القرن"، فإنه بحاجة إلى تحصيل مواقف عربية (خليجية تحديداً) إيجابية. وعليه، قبل التفاهم مع طهران، التوصّل إلى تفاهمات مسبقة مع العواصم العربية المحورية.
أما أكثر القيود التي تواجه إيران في تعاطيها مع إدارة ترامب أهميةً (وأصعبها)، فهو القيد الداخلي المتمثّل بالرأي العام الإيراني. صحيح أن كثيراً من الإيرانيين يتطلّعون إلى علاقات جيّدة مع الغرب والانفتاح على الولايات المتحدة بصفة خاصّة، لكنّ واشنطن هي "الشيطان الأكبر" في الخطاب التقليدي الرسمي، وفي سردية نظام الملالي منذ أربعة عقود، وبتغيير تلك السردية يناقض نظام طهران نفسه ويطعن في شرعيته التي يمثل العداء لإسرائيل وأميركا ركناً أساسياً فيها.