ليبيا .. حفتر وباشاغا وعقيلة صالح

ليبيا .. حفتر وباشاغا وعقيلة صالح

05 فبراير 2022
+ الخط -

خلافا لإرادة الليبيين في التطلع نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي التنازع على الشرعيات، وتبعد شبح المنافسات السياسية المحمومة، وخلافا لإرادة المجتمع الدولي باستمرار الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، إلى حين انبثاق سلطةٍ منتخبة، فقد دعت رئاسة مجلس النواب في طبرق الطامحين إلى الترشّح لقيادة حكومة جديدة أن يتقدّموا بأوراقهم يوم 7 فبراير/ شباط الجاري، على أن يعقد المجلس في اليوم التالي، وهو الثلاثاء المقبل، جلسة لاختيار أحد المترشّحين، بدعوى أن الحكومة الحالية التي لم تمض سنة على تشكيلها قد انتهت ولايتها. أما المؤشّر على انتهاء الولاية، حسب رئيس المجلس، عقيلة صالح، فهو أن الانتخابات التي كانت مقرّرة في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لم تنتظم، علما أن أحداً لم يحمّل مسؤولية عدم إجرائها للحكومة الانتقالية الحالية، بل لأن مفوضية الانتخابات لم تتمكّن، في المهلة المتاحة، من حسم الطعون، بعد إحالتها إلى الجهات القضائية المعنية.

بعد تعذر إجراء الانتخابات، عاد عقيلة صالح إلى ترؤس جلسات مجلس النواب، فيما أنكر على عبد الحميد الدبيبة حق العودة إلى موقعه

يذكر هنا أن عقيلة صالح، إلى جانب الدبيبة، قد ترشّحا معا للانتخابات، وتقدّم كل منهما باستقالته من موقعه، حسب ما ينصّ عليه قانون الانتخابات، فلما أعلنت ممثلة الأمم المتحدة، ستيفاني وليامز، تعذّر اجراء الانتخابات في الموعد المبرم، داعية إلى استكمال العمل من أجل إجرائها في أقرب الآجال الممكنة، عاد المستشار عقيلة صالح إلى ترؤس جلسات مجلس النواب، فيما أنكر على الدبيبة حق العودة إلى موقعه. وعقد جلسةً سريعةً للمجلس النيابي، جرى خلالها اعتبار الحكومة منتهية الولاية، ثم فتح الباب للترشيح لرئاسة حكومة جديدة، وهو ما رأته ممثلة الأمم المتحدة لا يتسق مع توجّه المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وأن الأولوية يجب أن تتركز على إجراء الانتخابات، لا على تشكيل حكومة انتقالية إضافية، فيما اعتبر الدبيبة أن هذه التحرّكات ترمي إلى العودة إلى أجواء الانقسام التي عانى منها الليبيون طويلا، وأن مهمة حكومته سوف تنتهي مع انبثاق حكومة منتخبة، وهو ما أيدته فيه أطراف دولية، إذ صدر بيان مشترك عن حكومات ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021 يفيد "بتفهمها أن نقل السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية إلى السلطة التنفيذية الجديدة يجب أن يتم بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يجب تنظيمها في أقرب وقت". وأمام الرفض الدولي لهذا الفصل الجديد من فصول خلط الأوراق، فقد أعرب نائب مقرّب من عقيلة صالح هو علي الصول "أن مجلس النواب اتفق على ضرورة مخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس برسالة رسمية لمنع تدخل المستشارة الأممية لدى ليبيا ستيفاني وليامز في الشؤون الليبية"!

التحرّكات المتسارعة من مجلس نواب طبرق نحو تشكيل حكومة جديدة، وتداول اسم باشاغا تنبئ بأن الخلط في الأوراق ماضٍ بصورة حثيثة

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى ملامح صفقة نجمت عن لقاءٍ جرى بين وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، والجنرال خليفة حفتر قبل ثلاثة أيام من الموعد الذي كان متفقا عليه لإجراء الانتخابات، في بنغازي يوم 21 ديسمبر. وبينما جرى ترويج أن هذا اللقاء يطوي صفحة المنازعات، ويكرّس الوحدة الوطنية، فإن التقارير التي نشرت الأربعاء الماضي، 2 فبراير/ شباط الجاري، تفيد بأن حفتر (المتحالف مع عقيلة صالح) "عرض" على باشاغا تشكيل حكومة جديدة، على أن تُسند حقيبة الدفاع إلى حفتر. وها هي التطورات تشير إلى أن باشاغا يتصدّر المترشحين الذين يعتزمون التقدّم بأوراقهم إلى مجلس النواب، وأن التحضيرات جارية داخل المجلس لتمكينه من الفوز، فيما لم ترشح عن الرجل أية تصريحات، ومعروفٌ أنه يتمتع بنفوذ كبير في وزارة الداخلية التي سبق أن تولى حقيبتها، وقد نشبت خلافات بينه وبين رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، أدّت إلى إقالته، وذلك على خلفية إطلاق قوات الشرطة النار على متظاهرين، لكنه لم يلبث أن عاد إلى موقعه، كما كان من الشخصيات المؤثرة في التصدّي لحملة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس. كما سبق أن تعرّض موكبه في مدينة مصراته في ديسمبر/ كانون الأول 2019 إلى هجوم مسلّح من قوات حفتر، ونجا. وليس هناك حتى تاريخه ما يؤكّد وجود هذه الصفقة أو ينفيها، غير أن التحرّكات المتسارعة من مجلس نواب طبرق نحو تشكيل حكومة جديدة، وتداول اسم باشاغا باعتباره أقوى المترشحين وأوفرهم حظا، تنبئ بأن الخلط في الأوراق ماضٍ بصورة حثيثة، وإن هذا الجسم السياسي الجديد، إذا قيّض له أن يظهر، سوف يشكّل عمليا حكومةً موازيةً لحكومة الدبيبة المعترف بها إقليميا ودوليا، بما يجدّد ظاهرة ازدواجية المؤسسات، وقد يهدّد بتوترات أمنية، ويطيل عمر المرحلة الانتقالية التي مضى عليها عقد كامل، ويمنع من التوجّه في ظروف ملائمة إلى الهدف الأساسي الذي يتوق الليبيون إلى تحقيقه، وهو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تضع حدّا للفوضى السياسية والأمنية والتشريعية التي أثقلت كاهل الليبيين، وحرمتهم من الانتظام في حياة طبيعية آمنة ومثمرة.

يُذكر أن حكومة الدبيبة تشكلت بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، وتضم وزراء من مختلف الأطياف. وقد أحيل، أخيرا، وزراء فيها إلى القضاء بشبهات فساد. وسبق لرئيسها نفسه أن اشتكى بمرارة من سوء الأحوال في إحدى الوزارات (الصحة)، قبل إحالة الوزير إلى التحقيق مع وزيرين آخرين. وكان ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي اختتم أعماله في تونس منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حدّد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهرا تمتد حتى يونيو/ حزيران 2022، وفق البعثة الأممية لدى ليبيا. وذلك مع التقديرات آنذاك بأن الانتخابات سوف تجري خلال تلك الفترة الممنوحة للحكومة الانتقالية، غير أن المستشار عقيلة صالح قام بتعبئة مجلس النواب لإنهاء ولاية هذه الحكومة، ودعا المصرف المركزي الليبي إلى أن يتلقى أوامر الصرف من رئيس مجلس النواب وحده. ويعتزم الرجل الذي سبق له أن رفض اتفاق الصخيرات (2015)، وأيّد حملة حفتر العسكرية، تنظيم جلسة لاختيار رئيس حكومة جديد، على أن يكون هذا الرئيس مسؤولاً أمام المجلس ورئيسه. وبهذا، إذا سارت الأمور وفق هذا السيناريو، سوف تعود بلاد عمر المختار مجدّدا إلى نقطة الصفر، وذلك بعد عدد لا يُحصى من مؤتمرات وملتقيات إقليمية دولية عكفت على دراسة الملف الليبي وجمع الفرقاء الليبيين، كان جديدها مؤتمر برلين ولقاءات جنيف في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ثم ملتقى تونس، والتي أفضت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويُراد الآن إطاحتها قبل أن تنجز مهمتها في تنظيم الانتخابات الموعودة.