لنحفظ أسماءهم جيداً
جيلبرت وزميله في مطار أوسلو بعد عدوان 2009 (أ.ف.ب)
اسمه مادس جيلبرت .. على كل فلسطيني وعربي أن يحفظ اسم هذا الطبيب النرويجي البهي، المقيم في مستشفى الشفاء في غزة، والذي قُربه من الصمود الفلسطيني يهبه القوة، على ما أعلن، في رسالةٍ مفتوحة إلى باراك أوباما، دعاه فيها إلى أن يقضي ليلةً، في هذا المستشفى، في أثناء العدوان الإسرائيلي الوحشي الراهن، لأنه إذا فعلها ونام هذه الليلة، سيتغير وجه التاريخ، على ما كتب هذا الرجل الذي تعصى بسالته الإنسانية على أي مديح، منذ عدوان 2008، مروراً بعدوان 2012، وصولاً إلى الغزو الجاري.
حمى الله هذا النبيل الذي ينتسب إلى سلالةٍ ثمينةٍ من غربيين كثيرين، أرادوا اختبار إنسانيتهم، فصاروا أصدقاء فلسطين. بعضهم قضى برصاص إسرائيل وقذائفها، منهم الطبيب الألماني، هارولد فيشر، الذي كان يقيم في بيت جالا، منذ عقود، ولمّا خرج ليلةً في نوفمبر/تشرين ثاني 2000، في أثناء عدوانٍ إسرائيلي، ليسعف فلسطينيين أصيبوا في قصفٍ غاشم، أودت بحياته قذيفة إسرائيلية، ثم جُمعت أشلاؤه بصعوبة. أما اسم الإيطالي، فيتوريو أريغوني، فيصيبنا بوجعٍ كثير، لأن جريمةً داعشية سافلة، أزهقت روحه، وهو الذي ينتمي إلى الأسطورة، من فرط ما كان عليه سخاؤه في نجدة الغزيين المحاصرين، وقد أقام بين ظهرانيهم، منذ قدم إليهم في سفينة تضامن، ونشط في إنقاذهم بمرافقته سيارات الإسعاف في أثناء عدوان 2008. وثمة مواطنه الصحافي، رفائيل تشيرللو، المصور الذي فتح عليه جنود إسرائيليون قتلة رصاصهم، وهو يصور عدواناً في مخيم، إبان حملة 2002 العدوانية في الضفة الغربية. كما جريمة قتل البريطاني، جيمس ميللر، وهو يصور فيلماً تلفزيونياُ عن تدمير الاحتلال منزل عائلة فلسطينية في رفح في 2003. وكذا مواطنه، توم هورندال، الذي لم تحمه سترة النشاط الإنساني البرتقالية، وكان يرتديها، لمّا أودت به رصاصة إسرائيلية غادرة، عندما كان يساعد أطفالاً فلسطينيين على عبور شارع في رفح.
لنحفظ أسماء هؤلاء البهيين، كما حفظنا اسم الشابة الأميركية، ريتشيل كوري، والتي ظنّت أن نزراً من الأخلاق الآدمية لدى سائق جرافةٍ إسرائيلية سيحميها، عندما حاولت منعه من هدم منزل أسرة فلسطينية في مخيم رفح، غير أنه حطّم جمجمتها وأطرافها عمداً، في جريمة، لا تزيّد في القول إن أميركا كيان غير أخلاقي، إذ لم تساند مواطنتها في القصاص من قاتلها. ولكوري نظيراتٌ غير قليلات في انتسابهن إلى القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية أخلاق كونية، كما وصفها الفيلسوف الفرنسي، إيتيان باليبار. إحداهن الإيطالية، جوليا باليكو، التي ناضلت طويلاً ضد جدار الفصل العنصري، لأن "من العار أن يغلق أحدٌ عينيه، فيما ترتكب إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين"، على ما قالت. وثمّة البريطانية، أنا ويكس، والتي تبرعت بكليتها لطفلة فلسطينية، تسبب حصار الاحتلال بمرضها في أولى شهور عمرها.
يضيق هذا المطرح على استعراض مثل هذه الأسماء الفاتنة، غير أَن الفضاء الإنساني الذي ينتمون إليه فسيحٌ لهم، وقد مضوا في نصرة فلسطين، شعباً وقضيةً وأرضاً وأُفقاً، منذ كان الكفاح المسلح عنوان هذه النصرة. وفي البال أن فرنسية اسمها فرونسواز كيستمان قضت في 1984 شهيدةً في عملية فدائية، لمّا أبحرت إلى الأرض المحتلة، مع مقاومين فلسطينيين، من لبنان. وهل يُنسى الياباني، كوزو أوكاموتو، ورفيقاه اللذان قضيا، في أثناء عملية فدائية جسورة في اللد قتلوا فيها 26 إسرائيلياً. وفي الأرشيف، المنسي على الأغلب، أنهم تسمّوا "مجموعة باتريك أوغريللو"، النيكاراغواي الذي شارك ليلى خالد في خطف طائرة إسرائيلية، وقُتل في الأثناء، في 1970.
هو مسارٌ من ذلك الخيار الكفاحي المسلح، إلى التضامن الإنساني الذي قتلت إسرائيل في غضونه تسعة أتراك، في البحر، كان معهم الروائي السويدي، هاننغ مانكل الذي زار غزة المحاصرة مرات، "لمزاولة إنسانيته"، على ما قال، كما الإيرلندية حاملة جائزة نوبل للسلام، ميريد ماغواير. وفي المطرح البهي نفسه، يقيم من أدباء العالم ونجومه، ممن أغضبوا إسرائيل، وأزعجوا داعميها، ثمّة النيجيري وول سوينكا والبرتغالي خوسيه ساماراغو والجنوب إفريقي برايتن برايتنباخ والألماني غونتر غراس والفرنسي جان جينيه واليوناني يانيس ريتسوس والداغستاني رسول حمزاتوف والبريطانية فينيسيا ردرغريف وآخرون ...
شكراً، أيها المتبتل لنجدة عظامنا في غزة، الدكتور مادس جيلبرت، أضعافاً غزيرة، لبطولتك الخلاقة، ولأنك يسَّرت لنا مناسبةً لاستحضار بعض الجميلين من أصدقاء فلسطين، فلنحفظ أسماءهم جيداً.