لماذا مؤتمر دول جوار العراق؟

لماذا مؤتمر دول جوار العراق؟

27 اغسطس 2021
+ الخط -

خطت حكومة مصطفى الكاظمي في العراق خطوةً ذكيةً لإعادة العراق إلى إقليمه لاعبا وقوة وسيطة لمعالجة التحدّيات الإقليمية، وإيجاد مخارج واقعية لها من خلال جمع كل الأطراف المعنية على طاولة واحدة، عبر دعوته إلى عقد مؤتمر دول جوار العراق نهاية شهر أغسطس/ آب الجاري. وتبرز أهمية هذا المؤتمر من خلال حجم المخاطر الهائلة المتوقعة في المنطقة، في ظل استمرار التوترات القائمة فيها، ناهيك عن مناطق الاشتباك المتعدّدة بالإنابة، ما يهدد بانفجار الأوضاع، وربما فقدان السيطرة عليها في أية لحظة.

لم يخصّ العراق بدعواته إلى مؤتمر جواره الدول الخمس المحاددة له فعلاً فقط، بل دعا دولا أخرى لها أدوارها في المساهمة بإنجاح أية تفاهمات تخرج عن هذا المؤتمر، فقد أرسل الكاظمي دعواته إلى مصر والإمارات وقطر وفرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كما أبدى قادة هذه الدول تشجيعهم ومباركتهم الخطوة العراقية تجاه تهدئة الأوضاع في المنطقة، بما يعود بالخير على العالم عامة والشرق الأوسط خاصةً. السعودية وإيران وتركيا والكويت والأردن، ونفت الخارجية العراقية توجيه دعوة إلى الرئيس السوري بشار الأسد.

لم تقتصر الدعوات على دول جوار العراق، بل أرسل الكاظمي دعواته إلى مصر والإمارات وقطر وفرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة

ما الذي سيجري في قمة بغداد لدول جوار العراق؟ هناك ملفات كثيرة وخطيرة ومعقدة تحكم هذا الجزء من الشرق الأوسط، قلب العالم الحيوي، منها، مثلا، العلاقات المتوترة بين والسعودية وإيران، والتي قد تحولت إلى حرب البدلاء بين الطرفين، وفي أبرز مشاهدها الحرب في اليمن التي تسببت بمقتل الآلاف وتشريدهم وهدر مئات المليارات من الأموال، ثمناً للتسليح ولحماية الحكومة الشرعية اليمنية التي تتّخذ من عدن جنوب اليمن مقرّاً لها، كما أدخلت ممرات بحرية حيوية كمضيق هرمز وباب المندب إلى مناطق الخطر، بما هدّد وما زال الملاحة الدولية وتوريد النفط إلى أنحاء العالم كافة. وفي مشهدٍ آخر، مارست إيران، وما زالت، تدخلاتها في الشؤون الداخلية للسعودية، بتغذيتها أبناء المنطقة الشرقية بأفكار منازعة الدولة واستثمار عقيدة "الطائفة" لإشاعة أجواء من الفتنة، وأيضاً للفت أنظار العالم إلى مواضيع حقوق الإنسان والحريات وسواها داخل المملكة. في المقابل، اضطرّت الرياض إلى أن تشجع حركات التحرر القومية في إيران على المطالبة بحقوقها الإنسانية والقومية، وهو ما يضغط على عصب القيادة الإيرانية، ناهيك عن مخاوف المملكة من تغوّل المليشيات الولائية لإيران في العراق، وتهديدها أمن السعودية، وتضامنها مع القضيتين المشار إليهما، اليمن والمنطقة الشرقية، إضافة إلى البحرين.

تركيا ومشكل حزب العمال الكردستاني، والذي يتخذ من الأراضي العراقية منطلقاً لهجمات إرهابية ضد أهداف داخل الأراضي التركية، تتسبب بمقتل كثيرين. كما يسعى هذا التنظيم الانفصالي إلى تحريض أبناء القومية الكردية - التركية لإثارة النزعة الانفصالية لديهم، بما يخالف الدستور التركي، ويتقاطع مع جهود الحكومات المتعاقبة هناك لتوحيد صف القوميات والأعراق المتآخية والمتعايشة في تركيا. وسيكون وجود تركيا بأعلى تمثيل في مؤتمر بغداد فاعلاً جداً، لبيان رغبتها بتعاون الجميع من أجل ضبط الحدود وتعزيز الأمن الداخلي ومنع المنظمات والتنظيمات الإرهابية من استعمال أراضيهم لزعزعة الأمن القومي لدول الجوار. وسيكون الكلام هنا والتنسيق أيضاً سبيلاً لخريطة طريق جديدة، ربما في التعامل مع ملف حزب العمال المحظور من الحكومة العراقية المركزية وحكومة كردستان العراق معاً.

ترتبط أسباب فكرة قمة بغداد لدول جوار العراق بمواضيع أعمق وأشمل من موضوع العراق عنوانا رئيسيا لها، وأولها المصالحة بين السعودية وإيران

القضية الثالثة ذات الأهمية المحورية الكبرى للعالم والإقليم هي القضية السورية؛ فسورية تتداخل فيها الإرادات والأيديولوجيات ومدارات الأمن القومي لدول عدة، وسيجلس اللاعبون في الملف السوري جميعاً، تقريباً، ليتم، بحراك عراقي، فتح الملفات الخاصة بكل طرفٍ للوصول إلى تفاهمات تسمح بإعادة أنفاس الشعب هناك.

الأردن والكويت دولتان لم تشكلا خطراً إقليمياً ولا مباشراً تجاه العراق، ومهمتان جداً في استقراره وتحسين أوضاعه الاقتصادية بشكل طبيعي وآمن، وسيكون لحضورهما وتأكيد انطلاق برامج العمل الاقتصادي بينهما وبين العراق مؤشرات ستنعكس سريعاً صوب تحسّن الأوضاع الاقتصادية العراقية، كما سيستفيدان من تفعيل علاقاتهما معه، سواء بمشاريع تنفذ هناك أو من خلال المناطق الاقتصادية المزمع إقامتها بينهم، كما ستكونان دولتي ضبط لأي اتفاقات بين دول بعينها ستكون حاضرة في القمة.

هل هذا هو سبب القمة التي أكدت الدول المدعوة لها في بغداد الحضور لها وبتمثيل عال؟ وهل هي نتاج الفكر السياسي العراقي الحكومي القائم؟ جاء أن الدعوة إليها صدرت بعد زيارة مصطفى الكاظمي واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن. بعد عودته، انطلق مبعوثوه إلى مصر والأردن وإيران وقطر والإمارات وفرنسا لينقلوا لقادتها فكرة المؤتمر وغاياته الرئيسة، وخصوصا غير المعلنة منها. لم تبلغ إيران بمبعوث، بل اتصل رئيس الوزراء نفسه بالرئيس إبراهيم رئيسي، ليدعوه بنفسه ويشرح له مضمون القمة.

وترتبط أسباب فكرة قمة بغداد لدول جوار العراق بمواضيع أعمق وأشمل من موضوع العراق عنوانا رئيسيا لها، وأولها المصالحة بين السعودية وإيران، من خلال جمع كبار مسؤولي البلدين، ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما وتذويب (أو تفتيت) المخاوف التي يتحرّك بموجبها كل بلد. وهذا يعني الكثير على المستوى الإقليمي، والعراق جزء من هذا الكثير، فقضية حرب اليمن والتوتر في الخليج العربي والحراك الطائفي فيه والتدخلات العميقة في الملفين، اللبناني والسوري، ستجد كلها طريقاً إلى الحلحلة بما يضفي شيئا من الأمن والسلام في هذا الإقليم.

وقد تنعقد لقاءات مباشرة على هامش هذه القمة بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين تفتح آفاق إعادة الروح إلى المفاوضات النووية من جهة، وتدفع تجاه تخفيف قبضة إيران تجاه العراق، وبخاصة تحكّمها بالمليشيات التي تستهدف المصالح الأميركية في العراق. وهذا سيعني تغيراً في جملة مشاهد في المنطقة بشكل إيجابي، كما ستستفيد إيران منها بشكلٍ يمنحها مزيدا من الأنفاس، لإعادة ترميم شأنها الداخلي واقتصادها المتراجع. أما تركيا فهي الدولة التي تحاول دائماً أن تكون إيجابية في علاقاتها الدولية، وبخاصة مع جيرانها، لكنها، وهذه صفة ثابتة ربما لدى الأتراك، لن تتهاون بقضايا أمنها القومي، وتأخذ زمام المبادأة فيما لو تلكأت الدول التي تنطلق منها التهديدات لهذا الأمن في وأدها. وعليه، فإننا نجد الحراب التركية تظهر على الحدود مع العراق وسورية، وفي حدودها البحرية مع اليونان على البحر المتوسط، وأية حدود أخرى، أي أن سياستها هذه لا تقتصر على العرب كما يحلو لبعضهم توصيفها به. والدول التي تعرف هذه الخصلة لدى النظام السياسي التركي تتعامل وفق اتفاقيات ثنائية متبادلة تسمح للدولتين باختراقات محدّدة جواً وبراً لملاحقة العصابات الإرهابية، أو أية قوى تشكل تهديداً لامنها، بعد إعلام الطرف الآخر، وهذا ما كان بين تركيا والعراق قبل احتلاله عام 2003.

 قد تنعقد لقاءات مباشرة على هامش القمة بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين

دعم الاستقرار داخل العراق، ومحاربة الإرهاب، وتوثيق أواصر التعاون الاقتصادي من أجل إعادة إعمار العراق ورفاهية شعبه، ووقف دول بعينها، كتركيا وإيران وأميركا تدخلها بشؤون العراق، أو أن توقف دعمها وكلاءها هناك، ثم معالجة موضوع سرقة الموارد المائية للعراق والتحكّم في حصصه المائية، كما تفعل إيران وتركيا، هذه ربما غايات العراق التي يطمح إلى كسبها نتيجة قيامه بهذه المهمة التي أوكلت إليه أميركياً أو ربما إيرانياً وباركتها السعودية وفرنسا وكل الدول المشاركة في هذا المؤتمر.

هل ستنجح قمة بغداد لدول الجوار العراقي في تحقيق الأهداف المتنوعة لكل طرفٍ؟ وهل سيبدأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، فترته الرئاسية باعتراف أميركي بنفوذ إيراني مشروط في الإقليم مقابل محدّدات مؤقتة لأنشطته وبرامجه التسليحية؟ وهل سيحقق الرئيس بايدن أول مكاسب له على مستوى العلاقات الخارجية، عِبر تحجيم المخاوف من أنشطة إيران ومحاولة فلتانها عن السيطرة في مجال الصناعة العسكرية النووية؟ وهل ستتخلص الرياض من مخاطر إيران التي استنفدت أرواح مواطنيها وخزينتها المالية، وجعلت أمنها القومي في حالة دائمة من الترقب والحذر، بفعل تدخلات طهران ووكلائها في اليمن؟ وهل ستنجح سورية في العودة إلى المحيطين، الإقليمي والدولي، عِبرَ بوابة مؤتمر بغداد لتبدأ عهداً جديداً تمنح فيه شعبها الحرية والأمان والكرامة؟ وأخيراً، هل سيشهد الحاضرون من غير الجوار العراقي نقطة تحول إستراتيجية في موازين القوى الاقتصادية والسياسية في الإقليم، يُبعد عنها شبح الحرب ويجمعها على مشاريع اقتصادية مشتركة مقبلة؟ أم سيخرج الجميع بقول واحد "اتفقنا على ألا نتفق"؟

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن