لماذا تتشدّد الصين في مواجهة أوميكرون؟

لماذا تتشدّد الصين في مواجهة أوميكرون؟

11 مايو 2022

تعقيم مقبرة بابوشان في بكين ضمن إجراءات مواجهة كوفيد 19 (25/3/2022/Getty)

+ الخط -

تشهد الصين، خلال النصف الثاني من العام الجاري، اجتماعات المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وهذه تعقد مرة كل خمس سنوات، وتفضي إلى انتخاب قيادات جديدة للمواقع الحزبية، بما فيها موقع الأمين العام للحزب الذي يتولى رئاسة البلاد. وستكون هذه المرّة الأولى منذ ثلاثين عاماً التي يجري فيها التمهيد لإعادة انتخاب الرئيس لولاية ثالثة، أي منذ تنازل دينغ شياو بينغ عن السلطة عام 1992، وتحوّل البلاد إلى مفهوم "القيادة الجماعية"، ذلك أنه جرى تعديل الدستور في اجتماعات مجلس نواب الشعب الصيني في مارس/ آذار من عام 2018، بناءً على مشروعٍ قدّمته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في اجتماعات المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بإزالة البند الذي يحدّد ولاية الرئيس بفترتين متتاليتين، كل منهما خمس سنوات، وذلك لتمكين الزعيم الحالي شي جين بينغ، من البقاء في السلطة، عقب انتهاء فترتيه اللتين كان يسمح بهما دستور جمهورية الصين الشعبية في عهدي سلفيه جيانغ زيمين وهو جينتاو اللذين التزما بعشر سنوات من قيادة الحزب والبلاد لكل منهما.

وما يكشفه هذا الأمر هو ما تعرفه كل الأوساط الدولية التي تتابع أحوال الصين، من تحول البلاد إلى قيادة الرجل الواحد القوي، منذ وصول الرئيس شي إلى قيادة الحزب في أواخر عام 2012، وإلى رئاسة الصين في أوائل 2013، عوضاً عن نهج القيادة الجماعية الذي ساد خلال عهدي سلفيه. فهل لهذه المدخلات السياسية أثر في إجراءات الصين المشدّدة ضد انتشار فيروس كورونا خلال الأسابيع الأخيرة؟

ما زالت السلطات الصينية تفرض على المصابين بمتحوّر أومكيرون البقاء في بيوتهم، مع إقامة سياجٍ حول البنايات التي يقطنون فيها

غريب أن الصين، في وقتٍ راحت فيه معظم الدول تتعايش مع المتحور أوميكرون لفيروس كورونا، باعتباره أقل خطراً من المتحورات السابقة التي انتشرت في العالم منذ ظهور الجائحة في الأيام الأخيرة من عام 2019، اتجهت إلى فرض إجراءات مشددة إزاء ظهور المتحوّر نفسه في عدة مقاطعات صينية، منها مدينتا شنغهاي وبكين الأكثر اكتظاظاً بالسكان، كما لو أنه ينطوي على مستوى الخطر نفسه الذي تعاملت معه الدول في أثناء مكافحتها المتحورات الأخرى، بعزل المصابين والحجْر الصحي والتباعد الاجتماعي والتطعيم. إذ ما زالت السلطات الصينية تفرض على المصابين بمتحوّر أومكيرون البقاء في بيوتهم، مع إقامة سياجٍ حول البنايات التي يقطنون فيها لمنعهم من مغادرتها، كذلك تفرض إجراء فحوصات مرض كوفيد 19 بشكل واسع على المواطنين، وتطلب تقديم شهادات الفحص لدى استعمال وسائل النقل العام. وما زال الموظفون في قطاعاتٌ معينة يعملون من بيوتهم، وغير ذلك من إجراءاتٍ تشبه ما كانت تفعله كل الدول، ومنها الصين، في بداية الجائحة.

تعتقد أصواتٌ أن السلطات الصينية تتذرع بمقاومة فيروس كورونا، من أجل فرض الهدوء في الشارع الصيني عشية التجديد للرئيس. لكن الحقيقة أن التجديد للرئيس شي لا يواجه أي عقبات، فضلاً عن أن يواجه أي تهديد بالفوضى في الشارع. ربما يكون التفسير الأكثر دقة لارتباط الإجراءات الصحية الصينية بالسياسة رغبة الرئيس شي بالحفاظ على صورة الرجل القوي صاحب القرار الثابت، ومفادها هنا أنه قرّر اتباع سياسة "صفر كوفيد" في الصين، أياً كانت كلفها الاقتصادية والاجتماعية، متمايزاً بذلك عن كل الدول، خشية أن تكون لانتشار الفيروس في البلاد عواقب غير محمودة، خصوصاً بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في المدن الكبرى، وتوفر الصين على أكبر عدد من السكان في العالم.

السلطات الصينية تبدو متيقنة من أنها صاحبة تجربة مختلفة في المجال الصحي، كما هي صاحبة تجربة مختلفة في الجوانب الاقتصادية والتنموية

ما يشجّع الصين على ذلك نجاحها في تنفيذ سياسة "صفر كوفيد" على مدار العامين الأولين من عمر الجائحة. كان مستغرباً أنه تراجع فيها، وهي ذات المليار ونصف المليار نسمة، عدد الإصابات بالفيروس بعد شهور فقط من بدء الجائحة في أواخر عام 2019، بينما راحت أعداد المصابين وأعداد المتوفين نتيجة الفيروس تتجه إلى الارتفاع في الدول الأخرى، بفعل انتشار المتحوّرات السابقة الأكثر خطورة من فيروس كورونا. تريد الصين إذن أن تثبت للعالم أنها مختلفة، ويريد رئيسها، عشية إعادة انتخابه، أن يثبت أنه صاحب كلمة ثابتة وقدرة فائقة على الالتزام والتنفيذ والإنجاز.

ليس ثمّة تفسير سياسي أبعد من ذلك بشأن ما تقوم به الصين من إجراءاتٍ مشدّدة لمنع انتشار متحور أوميكرون على أراضيها. لكن ما يمكن إضافته هو التفسير الصحي: صحيحٌ أن الدول الأخرى عانت من ملايين الإصابات والوفيات بالفيروس على غير ما جرى في الصين، لكن المحصلة كانت توفر الشعوب الأخرى على مناعة جماعية أعلى بكثير مما توفّر للصينيين، وهو ما مكّن الدول الأخرى عملياً من تخفيف إجراءات الوقاية والمكافحة، خصوصاً في الأماكن المفتوحة، مع شعور عام بأنها باتت في مأمن من الجائحة، مقابل استمرار المخاوف الصحية في الصين، كما لو أن الجائحة ما زالت في بدايتها.

هكذا، وبحسب التجارب العالمية، ستكون الصين مضطرّة للتسليم بعدم جدوى التمسّك بسياسة "صفر كوفيد"، لاستحالة أن تكون سبيلاً ناجعاً للتخلص من خطر الجائحة. لكن السلطات الصينية تبدو متيقنة من أنها صاحبة تجربة مختلفة في المجال الصحي، كما هي صاحبة تجربة مختلفة في الجوانب الاقتصادية والتنموية مكّنتها من تحقيق النهوض الهائل الذي تشهده البلاد. حتى يثبت أي من الطرفين على حق، سيكون طبيعياً أن نرى طوابير الذين ينتظرون دخول الملاعب الرياضية في أوروبا مثلاً، مقابل طوابير الذين ينتظرون إجراء فحص كوفيد 19 في شوارع الصين.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.