لماذا القلق الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية؟

لماذا القلق الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية؟

21 نوفمبر 2021
+ الخط -

أصدّق نفتالي بينت حين يبدي قلقه من انهيار السلطة الفلسطينية، حتى وإن سبقته الإدارة الأميركية في هذا القلق، وحذّرت إسرائيل من مغبة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للسلطة، غير أن قلق بينت هو الأهم؛ لأنه يصدر من العدوّ المباشر، الذي يفترض فيه ألّا يبدي قلقاً على خصمه، أو، على الأقل، لا يعير اكتراثاً لانهياره، إن لم يكن مغتبطاً بذلك، ولا سيما إذا تذكّرنا أنّ السلطة الفلسطينية كانت تدعى قبل ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، بصرف النظر عن الفصل الباهت القائم حاليّاً بين الطرفين؛ إذ يكفي أن تكون السلطة قادمة من رحم الفصيل الأكبر (فتح) لتمثّل ثلثي المنظمة إن لم يكن أزيد.
غير أنّ ما يبعث على التساؤل، هو عن دوافع هذا القلق الذي تبديه إسرائيل للمرة الأولى منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، والذي يمكننا أن نستبعد منه أيّ سببٍ يتعلق بإخفاق السلطة في أداء مهامها الموكولة إليها، لأنّه لن يكون سبباً مقنعاً، ولا سيما للشعب الرازح تحت "كنف" هذه السلطة، إذ في وسع أيّ فلسطيني بسيط في مناطق السلطة أن يدحض هذا الافتراء، بالقول إنّ أداء السلطة ناجح تماماً، خصوصاً في الملف الأمني حصراً، وهو الذي يهمّ إسرائيل، فقد أدت السلطة ما عليها بكلّ "أمانة"، ونفذت بنوده بدقة متناهية، وكانت علاقة "الدم" التي ربطت بين الشاباك والمخابرات الفلسطينية أقوى من أن يفصم عراها "فارّ" من وجه "عدالة" المحاكم الصهيونية وقوائم المطلوبين للشرطة الإسرائيلية.
ويُحسب للسلطة أنّها تمكّنت من تطويع الفلسطينيين في مناطقها، بالكبت والقمع والتضييق، وكفت إسرائيل عناء هذه الأشغال الشاقة التي كانت تتحملها قبل مجيء السلطة، ما يعني انتفاء مبرّر الإخفاق في هذه المهمة الاستراتيجية، أيضاً.
ولو حاولنا الولوج من باب "الاقتصاد" الذي تتذرّع به الولايات المتحدة، فهي ذريعة مردودة أيضاً؛ لأنّ المطلوب في هذا الجانب، حصراً، أن تكون السلطة ضعيفة اقتصاديّاً، فمنذ البداية كان المطلوب سلطة هشّة خارجياً، وحديدية داخليّاً، تنفذ ولا تخطط، تحافظ على بنادقها التي ورثتها عندما كانت "ثورة"، لكن مع تحويل الفوّهات عن العدو إلى الشعب عندما أصبحت "سلطة". كان مطلوباً باختصار تحويل الثورة، بكلّ قواعدها وخنادقها ورجالها، إلى "مخفر شرطة"، لكن مع إسباغ بعض المهابة الزائفة عليها، بمنحها صفة "سلطة"، وجعل قادتها رؤساء، ووزراء، وجنرالات. كان المطلوب أن تكون حكومة بلا دولة، وأرضاً منزوعة الجغرافيا، يحقّ للمانح أن يهتك حدودها متى عنّ له الاقتحام، فلماذا، إذاً، هذا القلق "الاقتصادي" على سلطةٍ لا تملك أي مقومات اقتصادية، باستثناء المنح والمساعدات الخارجية؟
ربّ مجيبٍ أنّ هذه المساعدات والمنح هي المعضلة؛ لكونها لا تُنفق على الأوجه المخصصة لها، بل تذهب إلى قنوات الفساد وشراء الذمم والمحسوبيات. وفي هذا لا أحد يستطيع الإنكار، غير أنّ في وسع قادة السلطة أن يقدّموا إجابات مفحمة، لأنّ هذه القنوات هي أعمدة السلطة ذاتها، وهي ما يحفظ ديمومتها، فالمطلوب ليس بناء المصانع والمزارع والمدارس، بل بناء طبقةٍ من المنتفعين والوجهاء أو دعم من هو قائم منهم لجعلهم خطّ دفاع يقي السلطة غضب الشعب، بعد ربط مصيرهم بمصير السلطة نفسها، والأمر ذاته ينطبق على طبقة الموظفين الجدد، الذين كانوا ثوار الأمس، ممن أصبحوا ينتظرون رواتبهم الشهرية أزيد مما يترقبون تحرير فلسطين.
عموماً، يحصد بينت وزعماء إسرائيل ما زرعته أيديهم من سلطةٍ أريد لها أن تكون محض واجهةٍ متهتّكة تمرّر المخططات والصفقات، وتسوّغ لمن يريد التطبيع من العرب أن يطبّع، ولا يحق لبينت أن يقلق على "طفلة" ولدت منذ البداية مشوّهة، ومصيرها هو الانهيار الحتميّ، إن لم يكن لعوامل "اقتصادية"، فلأخرى شعبية فهمت اللعبة جيداً، وعرفت أن لا حائل بينها وبين فلسطين إلّا هذه "السلطة" الدمية.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.