لعيد الحب.. دبدوب أحمر يُدعى ترامب

14 فبراير 2025
+ الخط -

يفتح زعيم من زعماء العالم عينيه صباحاً، ويبدأ يومه داعياً: ربّ لا تضعني في خطّ رؤية ترامب، وهو يَفرد الخريطة صباحاً في خطته الإمبريالية الهوجاء. لا فرق بين دول أميركا الشمالية واللاتينية أو أوروبا والشرق الأوسط. في انتظار دور أفريقيا.. تُرى ما الذي قد يُطمع ترامب فيها؟ يتعارك الأردنيون والمصريون على "السّوشال ميديا"، ويضع المغاربة أيديهم على قلوبهم خشية أن تصل إليهم العصا، بعدما مسّهم مقترح الكائن البرتقالي بترحيل الغزّيين إلى المغرب والصّومال. مع العلم أنه إذا كان يجب أن يُنقل أحد إلى المغرب، فهم المليون يهودي مغربي في إسرائيل.

في فالنتاين هذا العام، جاءت هدية الشّعبوية إلى العالم مسمومة أكثر مما يتحمّل. وبدل أن تُهديه كيوبيد صاحب سهم الحب، أهدتهُ عفريتاً برتقاليا يُدعى ترامب، فتنام دول بعينها على تهديدات ترامب كتهويدة تؤرّقها بدل أن تجعلها تغفو، وإن فعلت ففي وادي الكوابيس لا غير. والأسوأ أن ترامب رقم اثنين لم يعد برتقالياً، بل صار عفريتاً حُمرته فاقعة مثل دباديب "I love You" المصنوعة في الصّين. وهي حُمرة تدل على الخطر لا على رمز رخيص الكلفة للحب، أبدعته مخيلة آلة الاستهلاك.

"مجنونة وقالوا لها زغرتي"، مجنون ووُضع على رأس سلطة لامحدودة .. فيصطفّ العالم يومياً مفزوعاً منتظراً خرجاته الحمقاء. لا يهم إن استمر فزع الناس أو هدأ بسرعة، لكن المهم هو تواصل زخم التصريحات والتهديدات والتحرشات. وما يبدو مرفوضاً من قبل، يوشك أن يُصبح "عزّ الطلب". فالكائن الأحمر رفع سقف خطاباته حتى يضع المنافسين على حافة الإفلاس، ليخضعوا لما سيعرضه لاحقاً من حلول، لأنّها أخف الأضرار بالنسبة لهم، مقارنة مع ما يصرّح به خلال تلويحاته اليومية.

وبالنسبة إلى شوكولاتة عيد الحب، فالسيد ترامب يدسُّ أحجاراً صماء في أفواه الجميع، زاعما أنها حلويات. وحتى لو كانت كذلك، فهي حلوى خادعة ومريبة، تسري عليها حكمة الأمهات "لا تأخذوا الحلوى من أيدي الغرباء". وهنا، يقول لسان حال ترامب: "تريدون حلا؟ سنأخذ الأرض كلها، ولن تكون هناك حاجة إلى دولة ثانية". هكذا قد يتم التوصل بعد عركة طويلة إلى تسوية ببقاء الفلسطينيين في غزّة، وكأنّها منّة، بشرط نسيان مسألة الدولة، فيخرجون من الإبادة بلا شيء سوى النّجاة إلى حين. لكن حسابات رجل أعمال جمع ثروته بالبلطجة التجارية، لا تعلم شيئا عن تاريخ شعب أرضه أهم من الحياة نفسها. وفوق ذلك، لم يأت البيوت من أبوابها، بل اقتحمها من النوافذ كما هي عادة اللصوص، معتقداً أنه حين يركل بضعة حواجز فسيُعيد ترتيبها على مزاجه. مستدلا بقاعدة الأميركي روبرت غرين "استعن على تحقيق غاياتك بإخفاء مقاصدك"، في كتابه "القواعد الـ48 للسلطة". عارضاً "حلاً أهبلَ" يضع الفلسطينيين في مواجهته هو، لا في مواجهة إسرائيل مخفّفاً عنها اللوم، لينسى الناس الإبادة منشغلين بفرقعة ترامب.

في المنطقة العربية، ترتعد الأنظمة خائفة من أن يقع اختيار ترامب عليها لتكون محل اختبار، هي التي لولا دعم أميركا المالي والمعنوي، لما ثبتت كراسي السلطة تحتها. طبعا عندما يتعلق الأمور بكائن أهوج فالتهديدات والإذلال والمنّ للتذكير بصاحب اليد العليا، مسألة علنية. وله على كل دولة ممسك، على مصر والأردن المساعدات، على المغرب ملف الصحراء، على الإمارات ملف إيران، وهات ما في جعبتك يا ماكينة الحساب من حسابات.

يتبع ترامب سياسة الإغراق التي تقوم على إغراق السوق بمنتج، حتى ينخفض سعره ويفلس المنافسون. فيغرق العالم في فوضى تصريحات تعلن الحرب على دول لها سيادة. وتنخفض سقوف هذه الدول لتواكب خطر الفوضى وإفلاسها السياسي.

يفتي ميكافيللي على الأمير "الدكتاتور" بأن خشية الناس له أفضل من حبهم له. وطالما أن مجال حكم ترامب يتسع للكوكب كما يظن، فهو يطبق النّصيحة، ويمارس بلطجته بكل أريحية. كأننا أمام مشهد من "حفلة التيس"، رواية البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الذي يعادي فيها الدكتاتور تشكيلة كاملة من أطراف مختلفة. ويعتقد أن الله اختاره لمهمة مقدسة على الأرض، لأنه شخص ذو مواصفات خاصة.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج