لبنان ومخاطر الانفجار

21 فبراير 2025

تعليق صور لحسن نصر الله وشهداء في كركلا جنوبي لبنان (19/2/2025 فرانس برس)

+ الخط -

مع اقتراب تشييع الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، المقرّر بعد غدٍ الأحد، ترتفع حدّة التوترات الداخلية اللبنانية، التي تقترب من الانفجار في حال استمرّت على وتيرتها الحالية، وهو المرجّح بفعل الضغوط الكبيرة الممارسة على الحكومة اللبنانية للتضييق على حزب الله ومنع إعادة تسليحه وتمويله.

مشهد الاحتجاجات أمام مطار بيروت خلال الأسبوع الماضي كان أول مؤشّرات الانفجار بعد منع رحلات إيرانية من التوجه إلى لبنان، ما اعتبره حزب الله وأنصاره انصياعاً للتعليمات الأميركية الإسرائيلية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران تدريجياً.

أيضاً، يرى حزب الله أن الإجراءات الجديدة في مطار بيروت، وتكثيف تفتيش الطائرات الآتية من إيران، أو وجهات مقرّبة منها، يعنيان تجفيف منابع الدعم التي كان الحزب يحصل عليها، خصوصاً أن مطار بيروت الآن، في نظر حزب الله، هو خط الإمداد الوحيد المتبقّي، بعد سقوط نظام الأسد في سورية، ومرابضة السفن العسكرية الأميركية والإسرائيلية على مشارف المياه الدولية اللبنانية.

تبرز الحكومة الحالية هذه الممارسات بأنها التزام بالاتفاق المبرم لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي يتضمّن نزع سلاح حزب الله ومنع إعادة تسليحه. ورغم أن الاتفاق لم يتحدّث صراحةً عن وقف الرحلات الإيرانية إلى بيروت، أو التضييق عليها، إلا أنه يبدو أن ما جرى تداوله قبل توقيع الاتفاق، عن تضمنه بنوداً سرّية، حقيقي.

هذا ما كشفه رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، على هامش مؤتمر ميونخ الأسبوع الماضي، إذ أكّد أن هناك بنداً سرّياً في الاتفاق يتطرّق إلى الرحلات الإيرانية ووقف وصولها إلى لبنان، وأن حزب الله كان على علم بالأمر ووافق عليه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، عرّاب الاتفاق، الذي تحصل على موافقات الحزب على البنود العلنية والسرّية، والتي قد تكون كثيرة.

لم يعلّق حزب الله على كلام ميقاتي، وتعامل معه باعتباره تسريباتٍ صحافية، واستمرّ في انتقاد الحكومة، والتي يشارك مقرّبون فيها، وتخوينها، في محاولة لشد عصب جماهيره، والإيحاء بأن كل هذه الممارسات تستهدف طائفة كاملة، وليس حزب الله فقط، ودفعها إلى ما يمكن تسميته "تقبل الهزيمة". رغم أن هذا المنطق غير دقيق، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى هوية عرّاب الاتفاق، الذي يمثل الطرف الثاني في ما يطلق عليه في السياسة اللبناني "الثنائي الشيعي"، ولم يتبرّأ منه، ولم يوجه أي انتقاد إلى سياسة الحكومة في تطبيقه. حتى إن حركة أمل، التي يرأسها، انتقدت مباشرة مظاهر قطع طريق المطار وحرق الإطارات اعتراضاً على منع الرحلات الإيرانية.

رغم ذلك، نجح الحزب، إلى حد كبير، في إقناع غالبية الطائفة الشيعية، سواء من داخل بيئة الحزب أو خارجه، بأن التضييق والدفع إلى الإقرار بالهزيمة لا يستهدف حزب الله فقط، بل الطائفة، وسيؤدّي إلى تهميشها وإخراجها من المشهد السياسي اللبناني.

يسعى الحزب، اليوم، إلى أن يكون تشييع أمينه العام السابق استعراض قوة شعبية موجهاً إلى الداخل اللبناني، للتخفيف من الإجراءات التي تتّخذها الأجهزة الأمنية في المطار أو على الحدود البرّية. لكن من غير المرجّح أن ينجح حشد التشييع، مهما كان كبيراً، وهو سيكون بسبب شعبية نصرالله لدى لبنانيين كثيرين من غير الطائفة الشيعية، في دفع الحكومة إلى التراجع عن إجراءاتها، خصوصاً في ظل وجود الجنرال الأميركي المكلف مراقبة تطبيق الاتفاق.

سيعني الأمر ازدياد الاحتقان لدى حزب الله وبيئته الموعودة بالتعويضات لإعادة الإعمار، وبالتالي، قد تتكرّر مشاهد الاحتجاجات أمام المطار، التي تخللتها مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، في مناطق متفرّقة وتصبح مواجهاتها أكثر حدّة، ما يحمل مخاطر على وحدة الأجهزة الأمنية نفسها، على غرار ما حدث في الحرب الأهلية.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".