لبنان.. طريق وعرة وانتخابات واعدة

19 يناير 2025

الرئيس اللبناني جوزاف عون في مراسم دخوله قصر بعبدا في بيروت (9/1/2025 الأناضول)

+ الخط -

نجح لبنان في اختيار رئيس جديد بعد فراغ تجاوز العامين٬ وتبع ذلك مباشرة وبشكل سريع اختيار رئيس حكومة بعد مضي شهر على سقوط نظام الأسد في دمشق، وتصدُّع تكتّل إيران الذي يضم أيضا حزب الله. قاد الضعف الشديد لهذا التكتّل إلى نشاط سياسي من الأطراف المقابلة في لبنان، والتي حظيت بدعم إقليمي ودولي واسع وصولا إلى لحظة إملاء الشاغر الأهم في قصر بعبدا. تعكس هذه اللحظة الجديدة مقدار ما كان من هيمنة الحزب وتياره على الحياة السياسية في لبنان، فقد تسلّط بما يملك من قوة عسكرية على كثير من مؤسّسات الدولة، ومارس بلطجة سياسية طاغية، تؤهله أن يفرض اللون السياسي الذي يرغب به، أو على الأقل تمكّنه من إحلال فراغٍ ينهك الدولة، ويجعلها غير قادرةٍ على تسيير أمورها، وقد عاش لبنان فترات انقطاعٍ شغر فيها منصب الرئيس مدة طويلة، ومعه منصب رئيس الوزراء، وسارت الدولة بإجراءات حكومة تصريف الأعمال بيد مبتورة. لم يكن حزب الله وحده من يمارس المصادرة السياسية، بل كان النظام السوري أيضا يلعب دوراً مؤثراً في ذلك، رغم مشاغل الأسد في مقاتلة شعبه، فقد كان على الدوام يجد الوقت ليُحدت فتنا وفوضى على الساحة اللبنانية، مبرّرا ذلك بتلازم المسارات، والخريطة الحدودية التي تجعل سورية تحيط بلبنان من كل جانب. وبناء عليه، تدخّل نظام الأسد كما أراد.

عند زيارته قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، في دمشق الأسبوع الماضي، شوهد رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في لقطات من المقابلة يبتسم ويضحك ويخرج مسروراً، ولديه انطباع طيب عن الرجل الذي قال وبشكل واضح إن التعامل مع لبنان يجب أن يكون بوصفه دولة، وستقف سورية على مسافة واحدة من كل الأطراف، وهذه نغمة جديدة لم تكن تسمع من حكام دمشق، فلطالما كان على الدوام هناك "وزير" مفوّض للبنان يتصرّف، في بعض الأحيان، كالمندوب السامي، وتحديداً منذ الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، حين شارك الأسد الأب بشكل مباشر فيها، وتنقل بين الأطراف اللبنانية بحسب مصالحه الشخصية، إلى أن حطّ به الرحال في مواجهة مباشرة مع الجيش اللبناني وقطاع واسع من اللبنانيين، واستفاد من حدث تاريخي نادر، عند دخول صدّام حسين الكويت، فشارك ضد صدّام، وحصل مقابل ذلك على ما يشبه التفويض الغربي في لبنان، فحكمه كأنه محافظة سورية. وبعد خروج الجيش السوري، استمرّ نفوذ الأسد الابن بمساعدة مباشرة من حزب الله٬ وتداخلت العلاقة بينهما، وأصبح من الصعب تمييز حدودها بعد اندلاع الثورة السورية ضد بشّار، حين انخرط حزب الله حتى أذنيه فيها..

برّر النظام كل تدخّلاته في لبنان بحتمية الجغرافيا، وظروف التاريخ، وكانت تلك المبرّرات وسائل غير مقنعة، ليستمرّ العبث بمصير هذا البلد الجار، فدخل وخرج وتحكّم وجيّش قطاعات لبنانية لتعمل لصالحه في الداخل، وقَبِلَ بعضُ سياسيي لبنان أن يمارسوا هذا الدور، فأمّن لهم مناصب مهمة، تدرّجت ما بين النيابة والوزارة وحتى الرئاسة، ليُحكم قبضتَه على كامل السلطة هناك، ولم يخجل من تطبيق سطوته الأمنية كذلك، فخطف واعتقل واغتال كل من تجرّأ على الوقوف في وجهه، وحمى أتباعَه من العدالة، أو خفّف من الأحكام عليهم، واستطاع أن يملأ ملفّاً كاملاً بعنوان اللبنانيين في السجون السورية، وقد ظهر بعضهم بالفعل بعد هروب بشّار الأسد وفتح السجون ليخرج منها من أمضى عقوداً في غياهبها. والآن وقد اختار اللبنانيون وبشكل رشيد رئيسا لديه قبول شعبي واسع، ورئيس وزراء قادم من ساحات القضاء الدولي، وعلى مسافة متساوية من الجميع، تبدو الفرصة متاحة أمام لبنان، لأن يبدأ، من جديد، عملية بناء، وقد يكون تحرّر سورية من قبضة الأسد ذا قيمة لكل جهد صحيح في لبنان.

فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية