لبنان… تفاؤل حذر

14 فبراير 2025

الرئيس عون مع الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام في بيروت (11/2/2025 الرئاسة اللبنانية)

+ الخط -

نجح السياسيون اللبنانيون، بعد صولات وجولات من المفاوضات، في تخطي عقبات تشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام، لتباشر عملها في إدارة الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان بعد سنوات من التعطيل، وعدم وجود رئيس للجمهورية وإدارة البلاد من قبل حكومة تصريف أعمال لأكثر من ثلاث سنوات.

كثير من التفاؤل يعتري اللبنانيين بشخص رئيس الحكومة الآتي من خارج التركيبة السياسية الحزبية التقليدية في لبنان، وزاد التفاؤل مع خروج أسماء بعض الوزراء إلى العلن، والتوسم خيراً بكفاءاتهم لإخراج البلد من الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيش فيه.

لكن هذا لا يعني أن الطريق ستكون مفروشة بالورود لما يطلق عليه في لبنان "العهد الجديد"، والذي بدأ مع انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، بعد سنوات من الفراغ، إذ سيكون على الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء التعاطي مع الكثير من التعقيدات، منها ما هو داخلي والكثير منها خارجي، خصوصاً أن الولايات المتحدة لم تبارك التشكيلة الحكومية الجديدة لضمها وزراء "محسوبين على حزب الله".

تحديداً هذا الملف سيكون الأكثر تعقيداً في ما يخص الحكومة اللبنانية، أي كيفية تسويق حزب الله باعتباره فصيلاً سياسياً لبنانياً فقط، الأمر الذي يحتاج إلى مساعدة من الحزب نفسه، خصوصاً إذا ما أراد بدء ورشة إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي، والذي توقف اسمياً قبل أكثر من ستين يومياً، إلا أنه مستمر في أرجاء كثيرة من الجنوب اللبناني والبقاع، وحتى العاصمة بيروت.

ولا يخفى أن هناك مخاوف كبيرة لدى اللبنانيين من إمكان استئناف إسرائيل عدوانها، وهي التي ترفض إلى الآن تطبيق اتفاق الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب تحت ذريعة محاولة منع إعادة تسليح حزب الله، حتى إنها قبل يومين نفذت غارات وهمية فوق العاصمة اللبنانية وخرقت جدار الصوت، في مشهد أعاد أيام العدوان إلى الأذهان، والاستهدافات التي كانت تطاول مختلف الأراضي اللبنانية.

المخاوف هذه تدفع الكثير ممن تضررت ممتلكاتهم إلى التريث في إصلاحها، هذا إضافة إلى غياب التعويضات التي تسمح بإعادة إصلاح ما تدمر. وعلى هذا الأساس، وبعد ستين يومياً على اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال ركامُ المباني التي دمرتها غارات الاحتلال مكانَه، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في الجنوب والبقاع، وذلك بانتظار جلاء صورة الوضع ودخول الأطراف العربية والدولية للمساعدة في إعادة الإعمار.

هذا الدخول يبدو مرتبطاً بشكل أساسي في مدى قدرة الحكومة اللبنانية على احتواء حزب الله وتأطيره سياسياً، وهي مهمة ليست يسيرة في حال واصل الحزب قراءة الواقع الجديد من منظور عام 2006، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن 1701 الذي لم يجهد أحد في تنفيذه، وهو الأمر المختلف عن الوضع الراهن، إذ من الواضح أن هناك إصراراً، داخلياً وخارجياً، على تجنيب لبنان عدواناً جديداً في المستقبل القريب أو البعيد، عبر منع الحزب من إعادة بناء قوته، وعدم إعطاء الذرائع لإسرائيل لاستئناف العدوان، رغم أنها لم توقفه وتواصل احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية.

لن تكون مهمة "العهد الجديد" في لبنان سهلة، خصوصاً أن ما هو مطلوب دولياً لمساعدة البلاد على بدء مسار النهوض، يحمل بين ثناياه مخاطر على السلم الأهلي. الحكومة نجحت بداية إلى الآن في صد طلب واشنطن الذي عبرت عنه نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، والمتمثل بعدم منح حصة للحزب في الحكومة. غير أن طلبات مثل هذه قد تزداد في الفترة المقبلة، ليس من الولايات المتحدة فقط، بل من أطراف غربية وعربية أيضاً، وهو ما تحتاج الحكومة إلى التعامل معه.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".