لا حل ولا تسوية

لا حل ولا تسوية

02 يناير 2021
+ الخط -

بعد وصول موازين القوى إلى درجة معينة تحتم وجود رابح وخاسر في أي صراع، يرفض المنتصر التوصل إلى حل سياسي، ويفضّل الذهاب إلى تسويةٍ مع خصومه، بما أن الحل يتعيّن بثوابت سياسية وحقوقية تتنافي مع التسوية التي تتعيّن بموازين القوى، وبأرجحية كفّة المنتصر على المهزوم الذي لا يبقى أمامه غير العمل لبلوغ تسوية، لا يهزم فيها. 

يقول هذا التعريف الأولى لمآلات الصراع السوري إن ما ينتظرنا لن يكون حلا سياسيا يتعين بمقومات وثوابت ثورة الحرية والوطنية السورية، بل سيكون تسويةً لصالح الأسد، تترك لنا خيارا لا خيار غيره: ألا نرى فيها نهاية الصراع مع الاستبداد، بل حالةً مؤقتةً نعمل لتغييرها منذ اليوم: عبر إعادة نظر جدّية في وضعنا الذاتي، تحول بين روسيا والتعامل معنا كمهزومين، سواء بقوة الغلبة العسكرية أو رغبة موسكو في استعمار سورية، وتقنع واشنطن بالتخلي عن موقفها السلبي من حل القرارات الدولية السياسي الذي يعترف بحق الشعب السوري في بناء نظام ديمقراطيٍّ بديلٍ للأسدية، وتبدأ باستخدام ما لديها من وسائل كفيلةٍ بدفع روسيا إلى التخلي عن الأسد. هذا الخيار، الذي أقترحه، يراهن على خروج المعارضة من ضعفها وعجزها، وقيامها بدورٍ يقنع الآخرين بربط مصالحهم بحلٍّ سياسي لصالح السوريين. 

باستحالة الحل السياسي، وبالتسوية احتمالا يكرّس هزيمتنا بقوة موسكو العسكرية، وتعطّله واشنطن لحساباتٍ لا تدور حول حقوقنا، مصالحنا، يدخل الوضع السوري في حالةٍ من الجمود، يرجّح أن تستمر ريثما يتفق المتصارعون الإقليميون والدوليون على تفاهمٍ يبقي لهم الحصص السورية التي توزّعوها فيما بينهم خلال الصراع، ويعني حصولهم عليها قبل الحل والتسوية ما نعيشه من ركود واستمرار لما صار مأساة قرننا، وسط ما يسود الساحة من توازناتٍ غير متعادلة بين واشنطن وبقية المتدخلين الذين يعملون لحماية حصصهم، وتحسين شروط الصفقات القادمة حولها، والتي لن يكون للأسدية والمعارضة كلمة فيها. 

إذا كان الحل السياسي قد عطّلته سياساتٌ دوليةٌ رفضت تطبيق قراراتها، وكانت التسوية معطلة أميركيا، وكانت روسيا عاجزة عن تغيير هذا الواقع الذي تعتبر المعارضة أضعف أطرافه، فإن العطالة القائمة التي يرجّح أن تستمر فترة غير قصيرة، تملي علينا الإفادة من الوقت الضائع لتحسين شروط التسوية، عبر إعادة نظر حاسمة في وضعنا الذاتي الذي يجب أن يمكّننا من الحصول على حصةٍ من وطننا، بقدرات شعبنا وتعاوننا مع الآخرين، ورفع مصالحنا إلى مستوى تتوافق فيه مع مصالحهم، وصولا إلى تحولنا إلى طرفٍ يمكنه بلوغ تسويةٍ متوازنة، تقبل التطوير إلى حل سياسي ديمقراطي بما ستطوّره قواه السياسية المختلفة من توافقٍ يتيح لها بلورة خطط مشتركة، تبلغ بواسطتها حلا تدريجيا يقرّر مصير شعبنا، انطلاقا من مصيره الوطني الجامع. 

قد تبدو هذه المهمة صعبة التحقيق، لكن الصراع الذي سيدور بشأن نمط التسوية السياسية، وحتمية أن يكون لنا إسهام وازن فيه، يفرض علينا القيام بجهودٍ يضبطها تطوّر توجهه خطط مدروسة وتفصيلية، نبلغ بواسطتها تدريجيا ما كنا نريد تحقيقه بخطوةٍ واحدة، وآن لنا أن نقتنع أنها غدت مستحيلة، وأن تحسين شروط التسوية وعائدها هو المتاح لنا اليوم، الذي سيُخرجنا من عطالةٍ مديدةٍ لعب وهم الانتصار بخطوة واحدة دورا كبيرا في ما ألحقته بنا من كوارث. 

ليس انخراطنا في صراع جدّي حول التسوية المنتظرة غير البديل الوحيد الذي يجعله استعصاء التفاهم الدولي حول بلادنا، الحل الذي تُمليه علاقات المتحاصصين، ورغبتهم في المحافظة، بأي ثمن، على حصصهم، من دون صراع يبدّلها أو يهدّدها، فنخرج نحن، عندئذ، صفر اليدين من الصراع على وطننا، كأننا لم نكن طرفا فيه، أو لم يدفع مواطنونا ثمنا يفوق الخيال لانخراطهم فيه.

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.