"لام شمسيّة"... حُرمة الجسد

04 ابريل 2025
+ الخط -

نقلَ مسلسل "لام شمسية" موضوعاً خطيراً ومسكوتاً عنه إلى البيوت بصيغة تؤثّر في الوعي الجمعي بشكل أكبر ممّا قد تفعل القصص المؤلمة التي يسمع عنها، وتمرّ أمامه في صفحات الجرائم ووسائل التّواصل الاجتماعي، ولا يريد رؤية تفاصيلها. رغم أنّ وسائل التواصل بالذات جعلت المجتمع يواجه نفسَه كلّ يوم في مرآته، ورفعت الستارة عن الجرائم التي يُستحسن، في نظره أن يُخرّس ضحاياها، لأنّه يدرك أنه سيواجه حاجةً ملحّةً إلى إعادة النظر في جلّ مسلّماته.
قدّم المسلسل تأثير الإساءة الجنسية في الطفولة ببراعة (سبقته إلى ذلك مسلسلات أجنبية كثيرة)، فحياة المجرمين الأشدّ فتكاً والأكثر وحشيةً تضمّ كثيراً من الاستغلال الجنسي في طفولتهم، وغالباً ما يحدُث ذلك داخل الأسرة نفسها، فمن الصعوبة أن يصبح طفلٌ، تعرّض للانتهاك ممّن يثق فيهم ويفترض بهم حمايته، إنساناً سليم النفس، عدا عن حقيقة أن أيّ إساءةٍ جنسيةٍ للأطفال، حتى لو بيد شخص غريب، تترك ندوباً شديدةً، قد لا تصنع "بيدوفيليا" بالضرورة، لكنّها تحوّل الضحية كائناً عليل النفس.
لن يشعر الإنسان المكسور النفس بالأمان في حياته كلّها، حتى لو تحسّنت أحوالُه، فستبقى ندوبه النّفسية عميقةً وشاهدةً على مراحلَ قاسية. وقد يتمكّن أصحاب الشخصيات القوية من تجاوز طفولة مليئة بالظلم والحرمان والإساءة، ويمكن لبعضهم الآخر أن يتعالَج منها بالتردّد على عيادات الطّب النفسي. لكنّ الإساءة إلى الجسد، أو انتهاكه وإذلاله، وصمةٌ لن تُمحى من حياة صاحبها إلى الأبد.
ربّما يمكن للبالغين تجاوز الانتهاك الجنسي، في حالاتٍ قليلة، إذ نصادف أحياناً حالات نساء بالغات تعرّضن للاغتصاب أو لانتهاك أعراضهنّ، وقد تجاوزن جزءاً كبيراً من المأساة، واستطعنَ أن يبنين حياةً طبيعيةً في بيئةٍ تسمح لهنّ بذلك، ونادراً ما يحدُث ذلك في البيئة الشرقية، فهذه البيئة تُضعف مناعة المرأة تجاه أيّ انتهاكٍ لجسدها، بل حتى لاسمها، وتُحمّلها مسؤوليته، وتضع على عاتقها أيَّ اعتداء جنسي، فلباسها، كلامها، صوتها، خروجها إلى الشارع، ذلك كله "استفزاز جنسي".
في هذا السّياق الاجتماعي، القائم على نسبة غير قليلة من السّلوك الخاطئ تجاه الجسد، تحدُث انتهاكات أجساد الأطفال بالاغتصاب أو التّحرش الجنسي، وتكون الآثار أشدّ. هذا إذا لم يُقتل الضحايا، كما في حالاتٍ عديدةٍ لأطفالٍ اغتُصِبوا وقُتلوا بعدها، لإخفاء الجريمة، وغالباً ما يكون المجرم قريباً أو جاراً. مع ذلك، تُعتّم على هذه الأفعال العوائل التي تفشل أولاً في حماية أبنائها، من المفترسين جنسياً، وتفشل ثانياً في حمايتهم بعد الاعتداء.
أضاء "لام شمسية" نقطةً معتمةً، واختار أن يقدّم نموذج أسرةٍ تمتلك شروط الحياة الكريمة، حتى تُحدث أثراً أعمق، فالأطفال لا يحتاجون إلى الطعام والكسوة واللباس فقط، بل أيضاً إلى الحماية الحقيقية من انحراف نماذج قد لا تكون كثيرة، لكن يكفي شخص واحد فيها ليحدث الأذى. وتشمل هذه الحماية أقرب المقرّبين أكثر من الغرباء، فحتى داخل الأسرة هناك نسبة خطر، على ضآلتها، فقد يكون أحد أفراد الأُسرة هو مَن يشكّل الخطر الأكبر على الأطفال.
هنا، مع الإشارة إلى عدم صواب أن يحمّل المجتمعُ الأمّهاتِ مسؤوليةَ الخلل كلّه، الذي يعرفه الأبناء، لكن في هذه الحالة هي وحدها التي تتحمّل مسؤولية حماية بناتها وأبنائها. ربّما لن تفعل قبل حدوث الكارثة، لأن لا أحدَ يتخيّل أن الأب مثلاً (مهما كان سيئ السلوك) سيرتكب جريمةً مثل هذه، لكن عليها ملاحظة العلامات التي تدفع إلى الشكّ (أقلّ قدر منه) والتدخّل لحمايتهم وتصديقهم.
لذا، تبحث الشرطة غالباً عن المفترسين الجنسيين بين الدائرة الآمنة القريبة من الطفل الضحية، سواء كان الأب، أم أحد الأقارب، أم صديقاً للعائلة، لأنّه ثبت أنهم مصدر الأذى الأشدّ غالباً. فقليلاً ما يكون المذنب غريباً. وأقرب نموذج حدث منذ أسابيع فقط في المغرب، إذ عُثر على جيداء، وهي طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات، في حاوية قمامة بعد اغتصابها وخنقها. ولم تستغرق عملية إلقاء القبض على المشتبه فيه سوى ساعاتٍ قليلة بعد العثور على جثّتها. وكان (للأسف) عمّها، الذي اعترف بإنهاء حياة الصغيرة خنقاً بعد اغتصابها.

عائشة بلحاج
عائشة بلحاج
عائشة بلحاج
رئيسة قسم الثقافة في "العربي الجديد"، صحافية وشاعرة مغربية.
عائشة بلحاج