Skip to main content
كي لا ننسى ما ارتكبه أوباما
أرنست خوري
بين موعدَي كتابة هذا المقال ونشره، قد يكون الرئيس الأميركي، ترامب، غيّر رأيه مرات ثلاثاً أو أربعاً بخصوص نيته سحب جنوده، وهم بالعشرات فقط، من الشريط الحدودي بين تركيا وسورية. قرار انتخابي لكنه "أنتي سياسي" بامتياز، إن استقر عليه الرئيس ــ الكابوس، فسيُضاف إلى لائحة فرمانات تفرّد بها التاجر ــ الرئيس على الضد من كل أو من معظم أركان إدارته غير العابئين، على عكس رئيسهم، ببضعة الملايين من الدولارات، هي كلفة هؤلاء الجنود، في مقابل الفائدة الاستراتيجية السياسية الكبرى التي تجنيها واشنطن من وجودهم كحائط يصدّ تركيا عن حليف الميدان الكردي، وكشرطي ترغب كل الأطراف في نيل رضاه.
وصِفَة الشرطي تلك يعتبرها ترامب إهانة، وهو سارع إلى التبرؤ منها ليل الاثنين، في واحدة من سلسلة تصريحاته التي تهين اللغة والعقل قبل السياسة. في معرض تبريره قرار سحب جنوده، قال إن أميركا ليست شرطياً لتبقى هناك شرقي الفرات، وإنها خسرت أموالاً كثيرة في تلك الصحراء (كما سبق للجاهل إياه أن قال عن منطقة لا صحراء فيها أصلاً) خلال الحرب على الإرهاب في إطار التحالف الدولي لمحاربة "داعش". "تحالف" قام أساساً على جريمة تاريخية ارتكبها الرئيس السابق، باراك أوباما، ولا تزال شعوب المنطقة وحدها من تدفع ثمنه، تُرجمت بمنع الغالبية السكانية الساحقة في المنطقة، أي العرب السُّنة، من مهمة محاربة العدو الذي يستهدفهم هم أساساً، على حساب اختيار فئات أقلوية جداً في حسابات العدد والديمغرافيا، وهم الأكراد أولاً، وبشكل رسمي ومباشر، ليكونوا "حليف الميدان" الذي يتحرّك بغطاء حليف الجو وطائراته. كل العالم كان يرى، منذ أول أيام "داعش"، كيف أن السكان العرب السُّنة في العراق وفي سورية، كانوا أكثر المستهدفين بمجازر التنظيم بصفتهم "عدوّ الداخل" لكونهم رافضين "عقيدته"، إلا باراك أوباما الذي اعتبرهم "بيئة حاضنة" لـ"داعش" لا عيب في قتل الآلاف من أفرادها بغارات التحالف الدولي، على أن ينالوا لاحقاً اعتذارات ترشح دماً وخبثاً عن "أخطاء" في الإحداثيات غالباً ما كان يُقال إنها وصلت إلى الطائرات من "حليف الميدان" الكردي.
ينهي ترامب بقراره الانسحاب من سورية، الذي بوشر تنفيذه فوراً، تحالفاً دولياً وُلد من رحم نظرية عنصرية أخرى لدى باراك أوباما، نابعة من تصنيفات مطلقة للبشر، لا نسبية فيها، وهذا ربما كان قد حصّله ذاك المحامي من زمن شبابه الماركسي في شيكاغو. خزعبلات تأخذ شكل النظرية تفيد بأن "الإرهاب الإسلامي العربي" لا يمكن إلا أن يكون سُنياً بشكل أساس، مع استثناء الأقليات القومية السُّنية من هذا التقيؤ التعميمي، أي الأكراد والناطقين القوميين ــ اليساريين باسمهم، ممن دمجوا العشائرية مع الماركسية اللينينية والقومية الشوفينية، في طبخة بحص ينتج منها تفاخر بأن ابنة عامودا أو الدرباسية أو كوباني تحارب قبل الشباب في صفوف حزب العمال الكردستاني على الجبهات، لكن على الأرجح لا يسمح لها شقيقها أو والدها باختيار من تتزوّج، هذا إن لم تكن قد طاولتها جراحة الختان منذ طفولتها.
سريعاً يُتوقع أن تتضح انعكاسات القرار الترامبي الخاص بسورية على موازين قوى تتعدّى الحدود التركية ــ السورية لتصل الارتدادات إلى إعادة النظر بحدود العلاقات التركية ــ الإيرانية ــ الروسية المكرسة في جريمة "مسار سوتشي"، القائم منذ ولادته، على تحجيم تدريجي للنفوذ التركي في الشمال والغرب السوريين على حساب حسم بالقضم لما بقي من مناطق خفض تصعيد لمصلحة ثنائي القتل الروسي ــ الإيراني. ومثلما أن هذا المقال قد يصبح خارج السياق وغير صالح للنشر في حال عودة دونالد ترامب عن قرار الانسحاب من سورية، فإنه شاء أن يهدينا خاتمة مضحكة من دون أن تكون ظريفة لهذه الفقرات، عندما اكتشف أن روسيا والصين (الصين؟؟) وحدهما منزعجتان من قراره الخاص بسورية، "لأنهما كانتا ترغبان في أن تبقى أميركا غارقة في المستنقع"، على أساس أن أعداد الجنود الأميركيين العائدين من سورية إلى الديار الأميركية في صناديق خشبية، باتت عبئاً لم يعانِ رئيس أميركي من تبعاته إلا ريتشارد نيكسون في مستنقعه الفيتنامي.