كيف يعيد الأردنيون تعريف السياسة؟

كيف يعيد الأردنيون تعريف السياسة؟

20 يونيو 2022

أردنيون يتبضعون في سوق في وسط عمّان (8/9/2012/Getty)

+ الخط -

أعلن العاهل الأردني عبدالله الثاني، قبل عام، تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، بهدف تغيير العمليّة السياسيّة، وتعامل الأردنيين مع الديمقراطية، وصولاً إلى برلمان بأكثرية حزبيّة برامجيّة، ومشاركة أفضل للشباب والمرأة، وحضور فاعل للأحزاب، مع تطوير الحكم المحلي. وقد أقرّ البرلمان الأردني قانوني الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية المتصلة بهما.
ما قيل عن اللجنة بات تاريخاً، والمواقف بين رفض المخرجات أو تأكيد أهميتها انتهت، وبات المطلوب التعامل مع المستقبل، في ظروف حكومية صعبة واقتصادية حرجة. والسؤال اليوم عن حاضرية السياسة، والمستقبل المنشود. فهل أتت الاستجابة من النخبة والجمهور لتلك المخرجات كما يجب؟ وهل العامان الباقيان من عمر مجلس النواب التاسع عشر سيؤولان إلى حالة مغايرة، وهل الأحزاب الموجودة والوليدة قادرة على تمثيل نفسها في البرلمان المقبل بكتلة حزبية تقارب ثلث النواب؟
يمكن القول إن الأحزاب الراهنة ستتعامل مع مخرجات القانون الجديد، وستسعى للتعامل والتكيف معه، وثمّة أحزاب ناشئة طامحة إلى تمثل المخرجات الخاصة بوثيقة التحديث السياسي، وفي السعي لأجل التأسيس، الذي يأخذ شكل فزعة سياسية. ثمّة أكثر من حزب على الساحة يجري تقديم أوراقها للمجتمع الذي تقول استطلاعات الرأي، للأسف، إنه لا يثق بالأحزاب ولا بالبرلمان.
في تشخيص الراهن، يبدو الوضع السياسي في مطلع المئوية الثانية للدولة مصاباً بعدّة علل، ولكن يمكن تجاوزها، فالواقع يظهر عجز البرلمان بما لا يؤهله لإنتاج زعماء سياسيين، والأهمية شبه مطلقة في الدولة للبحث عن كفاءات قادرة على تحقيق رؤية الملك التحديثية وإخراج البلد من أزمة غياب الثقة بالمؤسسات، وهذا البحث لم يُسعف ولم يوفر الفرصة لظهور سياسيين محترفين، كذلك فإن الأحزاب الراهنة والجديدة لا تملك فلسفةً سياسيةً ورؤية للعالم، وهي أحزاب أقلية، وهي في المطروح من برامجها ليست مؤهلةً لذلك، وتقدّم الموظفين السابقين من وزراء وكبار الموظفين والمتقاعدين يتيح الظهور التأسيسي بوصفه بحثاً عن استعادة المكانة في السلم التمثيلي، والسعي للمكانة السياسية التمثيلية، مزعج، في مجتمع ممتلئ معرفياً، وتسود فيه هويات التعريف المناطقي والجهوي على حساب الهوية الوطنية، لا بل حتى التعيين في الحكومات يراعي ذلك، ويحسب له حساب.

رموز المعارضة أو غير الراضين عن السياسات العامة من رجالات الدولة السابقين في حالة من الركون أو الاكتفاء بالتعليق العام على المشهد المحلي

ومع صعوبة هذا الواقع، بالإمكان الإفادة من تجربة النقابات العمّالية المنظّمة في الأردن، وعكسها على المسار الجديد لتأسيس الأحزاب، والخروج بأكثرية مصلحية تتوافق على برامج خاصة فيما بينها لتحقيق رؤية التحديث وامتلاك برامج سياسية واضحة وقابلة للتطبيق، ويمكن التعويل على الشباب، بسعيهم المباشر من دون أوصياء لإحداث تغيير حقيقي في ممارسة السياسة والمشاركة في الانتخاب، خصوصا أنّ مخرجات لجنة التحديث السياسي هي في صالحهم.
يجري هذا وسط إعادة إنتاج الدور الأردني في المنطقة، والتوقيع مسبقاً على اتفاقيات تعاون مصرية أردنية إماراتية، ورفع مستوى الاستثمار والتعاون في منح الأردنيين فرص عمل في الكويت وقطر، وسبق ذلك زيارة الملك الولايات المتحدة برفقة ولي العهد الذي لوحظ تكثيف حضوره في ملفات ملحّة، وزيارته أخيراً الكويت دليل على أدواره الجديدة، المطلوبة كي تعكس مدى الاستقرار السياسي، والإشارة إلى الجانب التأهيلي القيادي له الذي بات ملاحظاً.
ويلاحظ المراقب لحركة المجتمع انسحاب النقد الشعبي من حالة الاحتجاج العام التي وسمت العقد السابق، منذ انطلاق أحداث الربيع العربي، لصالح معارضاتٍ خارجيةٍ عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي لم تعد تقدّم غير السوداوية والتكرار والمعلومات المغلوطة، وبعض حقائق عن أشخاص بعينهم باعتبارهم هدفاً لها، كما أن رموز المعارضة أو غير الراضين عن السياسات العامة من رجالات الدولة السابقين في حالة من الركون أو الاكتفاء بالتعليق العام على المشهد المحلي.

يرغب الأردنيون في سماع خطاب جديد ورؤية تتجاوز الماضي، ويرغبون في رجال سياسة محترفين أكثر مما يرغبون في جماعاتٍ تبحث عن إعادة إنتاج حضورها ومكانتها

لكن السؤال هو عن الشرط المساعد لتجاوز عقم العملية السياسية، وتأخر الاقتصاد في ظل أزمة عالمية، وهنا جاءت رؤية التحديث الاقتصادي التي أُعلنت، أخيراً، بهدف تحسين حياة الأردنيين، وإطلاق ممكنات الاقتصاد. وبالرغم من أن الوثيقة عابرة للحكومات، إلا أن المطلوب تحرير الاستثمار الوطني ومنحه الفرص الحقيقية لمشاريع كبرى تعجّل في إنهاء أزمة البطالة التي تشكّل عنصر ضغط كبيراً على أي حكومة أردنية.
الاعتقاد العام لدى الأردنيين أن في وسع بلدهم أن يكون أفضل، ولكن البحث اليوم يجري عن أخلاق المسؤولية العامة والاعتماد على الذات وتطوير عناصر استجابة ومنعة من الأزمات الراهنة والمقبلة، التي يحضُر الملك في مواجهتها بشكلٍ لافت، وهذا الحضور يبرز حين تتأخر الحكومات عن التنفيذ.
وكما سبق القول دوماً: الأردن بلد الكفاءات والعناصر البشرية المدرّبة، وهو قولٌ يحتاج من يؤمن بالقدرات الوطنية، والحاجة لرجال سياسة لديهم التوق والحماسة للعمل والشعور بالمسؤولية والتجرّد والنزاهة، وهذا المطلوب اليوم للأحزاب التي تُشكّل حديثاً، فليس المهم تصدّر قوائم التأسيس من أصحاب الخبرات والتجارب الوزارية، بل المطلوب رجال وشباب يملكون رؤية واضحة للمستقبل.
وفي قلب كل تلك الظرفية التي يسعى فيها الأردن لتجديد الدولة، برزت تحدّيات إقليمية ومحلية، أخيراً، في ظل إعلان تغيير قواعد الاشتباك على الحدود مع سورية، وتزايد عمليات التهريب للمخدّرات، المتزامن مع سيطرة مليشيات إيرانية وجماعات حزب الله على الحدود المشتركة، ما يقدّم تحدّياً جديداً على الدولة أن تتعامل معه، وهو أمر تقوم به قوات حرس الحدود باقتدار.
وبالعودة إلى انشغالات الأردنيين بالسياسة وعملية إنتاج الأحزاب، يرغب الناس في سماع خطاب جديد ورؤية تتجاوز الماضي، ويرغبون في رجال سياسة محترفين أكثر مما يرغبون في جماعاتٍ تبحث عن إعادة إنتاج حضورها ومكانتها.

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.