كيف نخسر أمام نظام مهزوم؟

(عمران يونس)
شارَكنا في مصر، نحن أبناء ثورة يناير (2011)، في ترويج سرديات النظام الحالي أكثر من المُستوعَب أو المفهوم، ربّما بدعوى "الواقعية"، وقد أصبحت مفردةً سيئة السمعة، تختبئ خلفها دعوات الاستسلام الرخيص أو المجاني كلّها. اعترفنا بهزيمتنا، وهذا جيّد، فالحلّ دائماً يبدأ من الاعتراف بالمشكلة، لكنّنا بالغنا في اعتبار الهزيمة نهائيةً، وأيّ كلام عن أيّ إمكانية لأيّ عودة محض هراء، لأن شرط التغيير تجاوزنا، قلنا ذلك، وروجناه، وكنّا فيه وبه من "المتعاونين الشرفاء" مع خصومنا لوجه العدمية.
المدهش أن بعضنا يعيد تدوير هذا الخطاب العدمي، والأكثر من مهزوم، تحت دعاوى "وطنية"، فجرائم النظام تحوّلت في خطابات بعضنا "تجاوزاتٍ"، وخطاباتنا في مقاومة هذه الجرائم تحوّلت "ملاحظاتٍ"، بينما هزليات النظام المتناقضة وخطاباته التي تقول الشيء وضدّه في الموضوع الواحد، وفي القضية الواحدة، فتحوّلت "موقفَ مصر". ماذا نفعل في أنفسنا، وفي مفاهيم "الوطن" و"البلد" و"المعارضة" و "مصر"؟... لا أحد يعرف.
ما أعرفه، ويعرفه ملايين المصريين، أن النظام الحالي، هنا والآن، "مهزوم"، مهزوم أمام جمهوره، مهزوم أمام وعوده، مهزوم أمام ماضيه الملوّث بدماء غير مبرّرة، مهزوم أمام واقعه المخجل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، محليّاً وإقليمياً ودولياً، مهزوم أمام مستقبلٍ لا يتوقّعه عاقل إيجاباً أو مبشّراً أمام الكباري والمونوريل وقصور الرئاسة والعاصمة الإدارية، وأطول سارية، وأطول مئذنة، وأطول أيّ شيء ليس طويلاًَ، لكن "طويل العمر" أراده كذلك، فصار أطول من ياسر جلال في "الاختيار 3".
هذا نظام مهزوم تماماً، من دون خصم، فخصومته للسياسة، وللتعليم، وللتخطيط، ولدراسات الجدوى، وللأولويات، ولطموحات مواطنيه، وأولهم مؤيّدوه، كانت كافيةً تماماً لهزيمته، ورغم ذلك لا يرحل، لا ينزاح، ونحن لا نتجاوز هزيمتنا إلى انتصاره على نفسه. لماذا؟... لأننا لسنا هنا.
تحتاج إلى إزاحة الفشل واليأس والعدمية، إلى أمل، فـ"أين يقف الأمل"؟ في صفّ اليأس "الواقعي" حيناً، وفي صفّ العدمية أحياناً كثيرة، بلا تنظيم، وبلا رؤية، وبلا خطاب، وبلا شيء. الأمر الذي وصل إلى مشاركة النظام في "التكسير" بأيّ "محاولة" لتحريك الأمل إلى حيث يراه الناس، فأحمد طنطاوي مثلاً، عميلٌ للنظام في رواية قطاع من الإسلاميين، ورجعي ومحافظ ومتخلّف وفلاح ومع ختان الإناث، في رواية قطاع من الـ"مش إسلاميين"، بينما هو مخطئ ولا يصحّ ترشّحه، كما لا يصح انتخابه لأن ذلك يمنح "شرعية" للنظام الحالي (…)، ضع بين القوسين ما شئت من عبارات وأصوات لا يسمح بها سقف "العربي الجديد".
هذه معارضة ترفض أن تكون بديلاً، معارضة لا تعد بشيء، معارضة "سياسية" تترك مكانها لـ"أعداء السياسة"، لخطابات عساكر "وطنية" و"بلبن" ومزارع الجمبري، أو وجهها الآخر في خطابات الجهاديين ومبادراتهم الهزلية التي تبشّر بحمل السلاح على الجيش المصري، لأنهم أعوان الظلمة وأعداء الله، وإلى الجهاد، وإلى لبنى عبد العزيز، وإلى آخر دور حسين رياض في "فجر الإسلام".
يعرف النظام الحالي جيّداً أن توفّر "بديل" واحد قادر على صياغة جملة سياسية من فعل وفاعل ومفعول، كافٍ لأن ينصرف المصريون إليه، من دون ثورة ومن دون مظاهرات ومن دون وجع قلب، فالنظام الحالي أضعف من ذلك بكثير، فهو بلا منجز وبلا ظهير، وبلا أسباب للاستمرار سوى أنه بلا منافس، ولذلك لا يترك النظام فرصةً لـ"مؤهّل" أن يكون موجوداً خارج السجن، وكل من تجرأ على الاقتراب من مناطق نفوذ النظام، ولو جزئياً، فهو مسجون لا محالة، يستوي في ذلك أحمد طنطاوي ويحيى حسين عبد الهادي وعبد الخالق فاروق مع الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة، ولا "أمل ممكن" سوى في خطابات الخارج "السياسية"، شريطة تجاوزها الاختلاف حول "أشخاص" إلى الاتفاق حول "أفكار"، وقدرتها على إنجاز رؤية واضحة وواقعية، لا تسبق وعي "غالبية المصريين" ولا تسبق خطاهم، تفادياً لمزايدات أو تغذية لوجاهات، أو تسجيلاً لمواقف. المطلوب هو تسجيل "الحضور السياسي". فأين أنتم؟