كيف لامرأة أردنية أن تكون سياسية؟

كيف لامرأة أردنية أن تكون سياسية؟

11 سبتمبر 2021

(هيلدا الحياري)

+ الخط -

في قاعة فاخرة، ضمت عددا لا بأس به من السيدات الناشطات والمهتمات بالشأن السياسي، منهن من شغلت فعلا منصبا سياسيا في مرحلة من حياتها العامة في الأردن، وأخريات يشغلن فعلا الآن منصبا سياسيا بشكل أو بآخر، صورة غنية بأفكار واتجاهات عدّة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبينهما من تراوح مكانا معتدلا في أفكارها وتوجهاتها، وأخريات يتلمسّن طريقا للولوج إلى عالم التمكين السياسي للمرأة، الحديث الأبرز الدائر حاليا بين أوساط المهتمين والمهتمات بالمرأة، ضمن هموم وشجون أخرى.

إنه موسم الحديث في الأردن عن آليات تحسين المشاركة السياسية للجميع، الجانب الأبرز في عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. والجو العام لا يبشّر بأن تخرج تلك الآليات المنتظرة إلى حيز القبول والرضا من الأردنيين والأردنيات جميعا، حتى لو اقترحت قانون انتخاب بوصفة معقولة، فالغضب والإحباط لم يتركا مجالا للنقاش وتبادل الرأي بشأن أبسط الأمور، فكيف إذا كانت عن الإصلاح وتنفيذه وقوانينه.

تعاني النساء في الأردن من تهميشٍ وعنف واضح، لا تعكسه الأرقام بشكل كافٍ

وكيف الحال بالحديث عن التمكين السياسي للمرأة، بل تمكينها بالمطلق الذي أصبح شأنا حسّاسا يثير، بلا مناسبة ولا سبب، حفيظة الناس، واقعا يشبه تماما فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من باب أنه مثير للضحك! يظهر فيه شبّان أردنيون يجيبون على قلب رجل واحد بالنفي، ردا على سؤال: هل ترى أن هناك امرأة أردنية قادرة على قيادة فريق وزاري في الأردن؟

ليس هذا رأيا ذكوريا يخص الأردنيين الرجال فحسب، بل إن نساء كثيرات يوافقنه تماما، بل يرين أن لا مكان للمرأة أبدا في الشأن العام، والسياسة حكر على الرجال وغمار صعب لا تستطيع النساء خوضه، ولا يغير من واقع الحال بعض قصص صور، على أهميتها ومصداقيتها، لأردنيات مناضلات وزعيمات شاركن في حراك سياسي ونضالي في القرن الماضي، لكن اليوم غير الأمس، فقد جرفت ردّة اجتماعية كل منجز نسوي أردني تم.

وأصبح في نظر تيار واسع ومؤثّر للأسف أن التمكين مضيعة للوقت، أو نكتة سمجة، أو أن ما وراءه ما وراءه، وأن مؤامرة كبرى تُحاك بليل على المجتمع النزيه المحافظ عبر نسائه وإفسادهن ودعم تمرّدهن على قيمه وتقاليده، وأن لا بد لأي شأن أو قضيةٍ تتعلق بالمرأة عيبا أو حراما، وأن شيطان التمكين "وتكبير رأس النساء" يكمن في تفاصيل جهود كبيرة بذلت، وما زالت تبذلها مؤسساتٌ وحكوماتٌ وأفراد لإعطاء النساء، بغض النظر عن خلفياتهن الدينية أو الاجتماعية والعرقية، حيزا مناسبا إلى جانب الرجال في مجتمعٍ يعاني أبناؤه من ضيق تلك المساحة من باب الإنصاف.

عدد النساء في الحكومات الأخيرة لم يتجاوز عدد أصابع اليد، ولم يكنّ يملكن قرارا مؤثرا في النهاية

 

تعاني النساء في الأردن من تهميشٍ وعنف واضح، لا تعكسه الأرقام بشكل كافٍ، فأحيانا يقيد الضحايا الخوف من الإفصاح أو عدم القدرة على الوصول إلى آذان مُنصتة مُصغية وتتخذ خطوة عملية للحد من العنف بأشكاله، ويحيط بها العار إن تحدّثت وأفصحت واشتكت عبر القنوات القانونية المتاحة، وهي تتساوى هنا إن كانت طفلةً أو كانت ناشطة أو حتى سياسية، فلا تحمي المرأة ممارستها للسياسة أو تقلّدها منصبا نيابيا أو حكوميا من التنمّر أو التطاول، ولا تشفع لها إرادة شعبية في اختيارها ممثلة لها، حتى لو عبر "الكوتا"، الممارسة التفضيلية عبر القانون، لكي نضمن أن يكون صوتها موجودا، ففرص منافستها في الانتخابات تكاد تكون معدومة إذا تم إلغاء "الكوتا"، ولا يعني نجاح سيدتين أو أكثر عبر التنافس الحر أن المجتمع يتقبل فوزها أو يسهله، فذلك استثناء لا يُقاس عليه أبدا. ولا تحميها الحقيبة الحكومية أيضا التي سلّمت لها بإرادة ملكية من أن يتم الهجوم والتدقيق والتنمّر عليها أضعافا مضاعفة لزملاء رجال بالفريق الوزاري ذاته، الضعيف وغير القادر بتاتا على إرضاء الطموح والتغيير، فعدد النساء في الحكومات الأخيرة لم يتجاوز عدد أصابع اليد، ولم يكنّ يملكن قرارا مؤثرا في النهاية، حالهن كحال غالبية الفريق، هي علامة تجارية سياسية أردنية فارقة، فلماذا تتحمل فيها النساء العبء الأكبر؟

لن تستطيع النساء المشاركة أو الشعور بالراحة لممارستها السياسية في الأردن، إن لم تملك فضاء واسعا، ومساحة خاصة بها، وفرصة متساوية تستطيع عبرها إظهار قدراتها بلا خوف ولا تردّد وإسماع صوتها واضحا، من دون أن تلتفت دائما حولها خوفا من معيق اجتماعي أو سياسي أو قانوني أو أيا كان شكله.

عطاف الروضان
عطاف الروضان
إعلامية أردنية، متخصصة في الإعلام المجتمعي والتنموي