كيف غيرت انتخابات سبتمبر الخارطة السياسية بالمغرب؟

كيف غيرت انتخابات 8 سبتمبر الخريطة السياسية في المغرب؟

13 سبتمبر 2021

عزيز أخنوش يعلن في الرباط فوز حزبه "التجمع .." في الانتخابات المغربية (9/9/2021/الأناضول)

+ الخط -

شهد المغرب، في 8 أيلول/ سبتمبر 2021، ثالث عملية انتخابية تعرفها البلاد منذ حراك "20 فبراير"، وبعد عشر سنواتٍ من اعتماد دستور 2011. وقد أجريت انتخابات مجلس النواب والانتخابات البلدية، فضلًا عن تجديد مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) في يوم واحد، بدلًا من إجرائها على مرحلتين في السنة نفسها، وذلك لتقليل التكلفة المالية. وقد أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية عن فوز التجمّع الوطني للأحرار بالمرتبة الأولى بـ 102 من المقاعد من أصل عدد مقاعد البرلمان البالغ 395 مقعدًا، بينما تلقى حزب العدالة والتنمية الذي قاد الحكومة خلال الدورتين السابقتين هزيمة كبيرة؛ إذ حل ثامنًا بـ 13 مقعدًا فقط نزولًا من 125 مقعدًا في البرلمان السابق. 
ظروف إجراء الانتخابات
جرت الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية خانقة، تزامنت مع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، الذي ألحق أضرارًا كبيرة بقطاعاتٍ حيويةٍ أهمها السياحة، كما أدّى الجفاف إلى توجيه ضربة كبيرة إلى القطاع الزراعي. وما زاد من حدّة الأزمة حصول اختلالاتٍ على مستوى نظام التوظيف بالتعاقد الذي اعتمده المغرب، استجابةً لتوصيات المؤسسات النقدية الدولية؛ ما أسفر عن موجة احتجاجات شملت المؤسسات التعليمية خصوصًا.
سياسيًا، جرت الانتخابات في ظل استقطابٍ حادٍّ بين ما تعرف بأحزاب الإدارة (التجمّع الوطني للأحرار الذي يتزعمه رجل الأعمال، عزيز أخنوش، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي أسّسه فؤاد عالي الهمة قبل أن يتركه ويشغل منصب مستشار للملك) وحزب العدالة والتنمية (إسلامي التوجه). وقد اشتكى الأخير مما أسماه استهدافًا له من خلال تغيير القانون الانتخابي الذي اعتمد قاسمًا انتخابيًا (غريبًا من نوعه) يحتسب المقاعد على أساس المسجّلين، وليس على أساس عدد أصوات المشاركين الفعليين في الانتخابات، كما جرت العادة منذ انتخابات 2002. وهو الأمر الذي رأى فيه الحزب، الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين (2011-2021)، محاولةً لحرمانه من قيادة الحكومة؛ في حين اعتبرت بقية الأحزاب أن الأمر لا يتعلق باستهداف حزب العدالة والتنمية، وإنما بدعم الأحزاب الصغرى، كما ندّدت باستمراره في ترويج خطاب "المظلومية" وتوظيف خطاب انهزامي للتغطية على خسارته.

شارك في الانتخابات التشريعية والبلدية 31 حزبًا، أبرزها حزب العدالة والتنمية، والتجمّع الوطني للأحرار

ورغم أن بعض القوى والأحزاب السياسية دعت إلى مقاطعة الانتخابات، بوصفها أداة لإضفاء الشرعية على ما أسمتها "ممارسات السلطة الفعلية"، فإن تأثير هذه الدعوات كان محدودًا. وقد قاد هذه الدعوات جماعة العدل والإحسان، وحزب النهج الديمقراطي، وهو حزب يساري راديكالي، أصدر بلاغات عديدة يندّد فيها بقمع السلطات لمنتسبيه، ومصادرة لافتاتهم، لمنعهم من الدعاية لمقاطعة الانتخابات.
المعطيات الانتخابية
شارك في الانتخابات التشريعية والبلدية 31 حزبًا، أبرزها حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، والتجمّع الوطني للأحرار (مشارك في الائتلاف الحكومي)، وحزبَا الاستقلال و"الأصالة والمعاصرة" (معارضان لحكومة العدالة والتنمية). وتبين الأرقام والإحصاءات التي نشرتها وزارة الداخلية حول الانتخابات ما يلي: 
1. الكتلة الانتخابية
بلغت الكتلة الناخبة في الانتخابات التشريعية المغربية 17983490 ناخبًا، بزيادة قدرها 14.52% مقارنة بانتخابات 2016. ويبين الشكل (1) نسب المسجلين في اللوائح الانتخابية من حيث السن، والجنس، والتوزيع بين المناطق الريفية والحضرية.

الشكل (1) 
النسب المئوية للمسجلين في اللوائح الانتخابية

الانتخابات المغربية

المصدر: المملكة المغربية، المندوبية السامية للتخطيط، "بعض خصائص الناخبين لأول مرة في انتخابات 2021"، 7/9/2021، شوهد في 12/9/2021، في: https://bit.ly/2VxVRdq 

2. ترشيحات الانتخابات التشريعية
بلغ مجموع الترشيحات، في الانتخابات التشريعية 6815 ترشيحًا، تنافست على 395 مقعدًا برلمانيًا (بمعدل 17 مرشحًا لكل مقعد)؛ منها 34.2% ترشيحًا نسائيًا (2329 ترشيحًا)؛ توزعت على 1704 لوائح، بينها 1567 لائحة تشريعية جهوية و762 لائحة محلية، منها 97 لائحة تتصدرها النساء. 
3. ترشيحات الانتخابات البلدية
بلغت الترشيحات في انتخابات البلديات والمقاطعات 157569 ترشيحًا؛ منها 62693 لائحة و94776 ترشيحًا فرديًا، تنافست على حوالى 32000 مقعد (أي بمعدل 5 ترشيحات لكل مقعد)؛ بينها 47060 ترشيحًا نسائيًا (29.87%). أما الترشيحات المتعلقة بالانتخابات الجهوية، فبلغت 9892 ترشيحًا، منها 3936 ترشيحًا نسائيًا (39.79%).
ولم يستطع حزب العدالة والتنمية تغطية سوى 26% من عدد الترشيحات، وقد عزا ذلك إلى ما اعتبرها "ضغوطًا" على مرشّحيه لمنعهم من الترشّح باسمه؛ وقد اختارت أسماء عديدة اعتادت الترشّح باسم الحزب، الترشّح هذه المرة باسم أحزاب أخرى، خصوصا حزب التجمع الوطني للأحرار.
نتائج الانتخابات
بعد ساعات على انتهاء الانتخابات، أعلنت وزارة الداخلية عن نسبة مشاركة بلغت 50.35% مقارنة بنسبة 45% في انتخابات .2016 وقد أثارت هذه النسبة جدلًا بين المشاركين في الانتخابات ودعاة المقاطعة؛ فقد شكك المقاطعون في النسبة المعلن عنها، خاصة أنها ارتفعت من 36% في الساعة الخامسة إلى 50.35% في الساعة السابعة مساء؛ على اعتبار أنه من الصعب عمليًا أن يصوت حوالي مليوني ناخب في ظرف ساعتين، من دون حصول طوابير طويلة خارج المراكز الانتخابية.

الشكل (2) 
تطور نسبة المشاركة في الانتخابات منذ سنة 1997

الانتخابات المغربية 2

المصدر: من إعداد وحدة الدراسات السياسية.

تظهر النتائج المعلن عنها أن حزب العدالة والتنمية لم يفز إلا بأربعة مقاعد في دوائر الانتخابات التشريعية، بينما فاز بتسعة مقاعد أخرى بفضل نظام الكوتا النسائية؛ ولولا القاسم الانتخابي الجديد الذي اعترض الحزب عليه، لما استطاع حصد أي مقعد في الدوائر التشريعية. وهذه أكبر هزيمة يمنى بها حزب سياسي مغربي منذ الاستقلال، لا سيما أن الحزب حصل في الانتخابات السابقة على 125 مقعدًا في مجلس النواب، في حين سيطر سنة 2015 على كل المجالس البلدية للمدن الكبرى، فإنه من غير المتوقع أن يرأس أي مجلس بلدي في الفترة المقبلة؛ لأنه لم يحصل إلا على777 مقعدًا من أصل حوالي 32000 مقعد.

الشكل (3) 
نتائج الانتخابات التشريعية

الانتخبات المغربية 3

المصدر: المرجع نفسه.
أسفرت النتائج أيضًا عن تصدّر حزبين قريبين من السلطة؛ إذ حصل التجمّع الوطني للأحرار على 102 من المقاعد، وحزب الأصالة والمعاصرة على 87 مقعدًا، إضافة إلى أحزاب الحركة الشعبية (29 مقعدًا)، وحزب الاتحاد الدستوري (18 مقعدًا)؛ ما يعني أن هذه الأحزاب يمكنها مجتمعةً تشكيل الحكومة من دون الحاجة إلى تحالفاتٍ حزبيةٍ مع خصومها السياسيين. في المقابل، عرفت أحزاب ما كان يعرف "بالكتلة"، تقدّمًا محدودًا؛ فقد حصل حزب الاستقلال على 81 مقعدًا، وحزب الاتحاد الاشتراكي على 34 مقعدًا، وحزب التقدّم والاشتراكية على21 مقعدًا. واكتفى اليسار الراديكالي بالحصول على مقعدين، الأول حازته نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد بفضل نظام الكوتا النسائية، والثاني حصل عليه مرشّح فيدرالية اليسار. أما على المستوى المحلي، سوف تشكّل الأحزاب المتصدّرة للنتائج كل المجالس البلدية، مع تحالفاتٍ طفيفةٍ في بعض المناطق مع أحزاب اليسار وحزب العدالة والتنمية؛ ما سيضفي على المشهد السياسي، بجميع مؤسساته، لونًا سياسيًا واحدًا.
عرفت نسبة مشاركة النساء داخل البرلمان زيادة معتبرة، بفضل نظام الكوتا النسائية، وباستثناء 90 امرأة دخلن البرلمان بفضل نظام الكوتا، فثمّة عدد ضئيل من النساء (3 - 6) ممن استطعن دخول البرلمان من خارج الكوتا النسائية. أما مشاركة الشباب، فقد شهدت تراجعًا كبيرًا بعد إلغاء نظام الكوتا المخصصة للشباب (30 مقعدًا)، الذي جرى العمل به منذ انتخابات 2011 وتم الاستغناء عنه في هذه الانتخابات، بعد أن واجه انتقاداتٍ اعتبرته ريعًا ينبغي تجاوزه.
ردود الفعل على النتائج
أدّت هزيمة حزب العدالة والتنمية إلى استقالة جماعية لأمانته العامة التي اعتبرت أن "نتيجة الانتخابات غير مفهومة وغير منطقية"، على حد تعبير البيان الذي أصدرته عقب الاستقالة، كما ندّدت بما أسمتها "خروقاتٍ عرفتها الانتخابات". وثمّة عوامل عديدة أدّت إلى هذه الهزيمة، منها ما يتعلق بتغيير قانون الانتخابات وتدخل السلطة، ومنها ما يتعلق بدور المال الانتخابي، وغيرها من الطعون التي ساقها حزب العدالة والتنمية. لكنّ هذا كله لا يمكن أن يخفي حقيقة حصول تصويت عقابي على نطاق واسع ضد الحزب الذي قاد الحكومة خلال العقد الماضي، فقد أسهمت السياسات التي أقدم عليها "العدالة والتنمية"، بخصوص قضايا التوظيف بالتعاقد، وإلغاء صندوق المقاصّة، وزيادة سن التقاعد، والاقتطاعات المتتالية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، وهيأت الظروف لإلقاء اللوم عل حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقد تحمل الحزب عواقب سياسات هو غير مسؤول عنها، وذلك لأنه يدير الحكومة، فلترؤس الحكومة من دون الحكم فعلًا ثمن وافق "العدالة والتنمية" على دفعه؛ إذ يضطر أن يمرّر سياساتٍ لا يتفق معها، أو لا تتفق معها قواعده. لقد حصل في فترة ترؤسّه الحكومة تراجع على مستوى احترام حقوق الإنسان، كما تناقص الوعاء الانتخابي للحزب بسبب الطريقة التي تخلت بها الأمانة العامة للحزب عن زعيمه السابق عبد الإله بن كيران، بسبب عدم رضى السلطات السيادية الحاكمة فعلًا عنه؛ ما حرم الحزب من شخصية كاريزمية قادرة على التواصل مع أنصاره. ويضاف إلى ذلك انقلاب الحزب على جملةٍ من الثوابت التي طالما دافع عنها، مثل تمرير التطبيع مع إسرائيل (أو الموافقة عليه في الحكومة ومعارضته في الحزب)، واعتماد اللغة الفرنسية في التدريس، وتقنين القنّب الهندي. أدّى ذلك كله إلى انفضاض قواعد الحزب عنه، وإخراجه من السلطة بطريقة مدوّية. ولهذا خسر الحزب في هذه الانتخابات العالمين، عالم السلطة وعالم الموقف والقاعدة الاجتماعية. هذه هي أسباب خسارة الحزب المتوقعة، وإن لم تكن بالمستوى الذي حصلت به.

قد تتألف الحكومة من التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وقد ينضم إليها حزب الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي أو كلاهما

شكل الحكومة المقبلة
استقبل الملك محمد السادس، بعد يومين على إعلان النتائج، زعيم حزب التجمّع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وكلفه بتشكيل الحكومة بناء على ما ينص عليه الدستور المغربي. وعلى الرغم من أن الحكومة المقبلة سوف تضمّ، على الأرجح، الأحزاب القريبة من السلطة (التجمّع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري)، في حين يؤول موقع المعارضة إلى أحزاب الكتلة واليسار والعدالة والتنمية، فإنه بناء على التجربة السياسية منذ انتخابات 2002 تبقى كل السيناريوهات ممكنة، خصوصا في ظل تلاشي الفروق بين أحزاب الكتلة وأحزاب الإدارة. لذلك قد تتألف الحكومة من التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وقد ينضم إليها حزب الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي أو كلاهما؛ وقد تتألف من التجمّع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، لكن السيناريو الراجح يبقى تحالف التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال مع إضافة أحزاب مكمّلة، مثل الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية. أما المجالس البلدية، فإن رئاستها ستؤول في معظمها إلى حزبَي التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، وقد تؤول بعض المجالس، لا سيما في الجنوب المغربي، إلى حزب الاستقلال، بينما لن تترأس الأحزاب الأخرى إلا عددًا ضئيلًا من المجالس الصغيرة، في حين سيسطر التجمّع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة على مجالس الجهات، وسيتحكمان كليًّا في مجلس المستشارين (غرفة البرلمان الثانية).
خاتمة
أدّت انتخابات أيلول/ سبتمبر 2021 في المغرب إلى حصول تغير كبير في الخارطة السياسية؛ إذ باتت أحزاب الإدارة تتصدّر المشهد السياسي، بينما تراجعت قوة حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية كثيرًا. لكنّ نجاح الحكومة المقبلة سوف يتوقف على مدى قدرتها على تلبية توقعات الناخبين، والوفاء بالوعود الكثيرة التي قطعتها أحزابها على نفسها خلال الحملات الانتخابية.