كيف سيستعيد بايدن ثقة الرياض؟

كيف سيستعيد بايدن ثقة الرياض؟

24 يونيو 2022
+ الخط -

تحمل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى الرياض، منتصف الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، عنواناً أميركياً عريضاً، هو استدراك التقييم الخاطئ للعلاقة مع الحلفاء في الخليج، خصوصا السعودية، ومحاولة استعادة ثقة ولي العهد، محمد بن سلمان، بعد جفاء، سببه اعتناق إدراة بايدن، ومن دون مراجعة كافية، "عقيدة أوباما"، عن الانسحاب من الشرق الأوسط إلى محيط الصين شرقاً، ما تُرجم بالتخلّي عن التزامات واشنطن بخصوص أمن منطقة الخليج العربي؛ حيث فرضت الحرب الأوكرانية على واشنطن الانتباه إلى أهمية السعودية في مجال الطاقة، والحاجة لدورها في خفض سعر النفط. وعلى الرغم من انتقادات شديدة في الداخل الأميركي لإدارة بايدن، بسبب علاقتها المتخلخلة مع حلفاء استراتيجيين تقليديين، إلا أن زيارة بايدن المنطقة لن تكون في مستوى توقعات الرياض ورغباتها بشأن إعادة العلاقة إلى سابق عهدها، من حيث التزام واشنطن بحماية أمن دول الخليج العربي.

هذه هي المرّة الأولى، منذ الحرب العالمية الثانية، التي ترفض فيها الرياض طلب واشنطن، بعد الغزو الروسي أوكرانيا، رفع سقف إنتاج النفط، لتخفيض أسعاره، وقبلها رفض بن سلمان الرد على مكالمة بايدن، وكان قد استقبل وفداً جمهورياً من الكونغرس، لتوجيه رسالة إلى الديمقراطيين، وتذكيرهم بأن العلاقات السعودية - الأميركية كانت أفضل حالاً في عهد ترامب، خلافاً لما كانت عليه زمن أوباما، ولما هي عليه زمن بايدن. تشعر دول الخليج بالخذلان الأميركي بعد رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، وبالإصرار الغربي على العودة إلى الاتفاق النووي، وبغض النظر الأميركي عن صواريخ إيران البالستية، وتمدّد أذرعها في المنطقة، خصوصا لبنان والعراق واليمن، وكذلك سورية؛ فضلاً عن الانتقادات الأميركية المستمرة لملف حقوق الإنسان في السعودية، والتي كانت واحدة من عناوين دعاية بايدن الانتخابية، قبل تسلّمه الحكم.

بات هناك فقدان ثقة عربي بالسياسات الأميركية، وعزّزه الانسحاب الأميركي الدراماتيكي من أفغانستان، ويضاف إليه أن العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على الروس تضمّنت تجميد الأصول المودعة في المصارف الأميركية، وهذا يشكل مخاوف بالنسبة للسعوديين الذين يملكون 2.5 ترليون دولار وسندات ودائع في الولايات المتحدة. دفع ذلك كله دول الخليج العربي إلى البحث عن تحالفاتٍ جديدةٍ في عالم بات متعدّد الأقطاب، بعد أن كانت الولايات المتحدة المتحكّم فيه منذ نهاية الحرب الباردة. وفي المقابل، تزايد الاهتمامان، الروسي والصيني، بالمنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، خصوصاً تحكّمها بأسعار الطاقة. هذا أقلق واشنطن، حيث تأتي الزيارة المنتظرة، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الرياض، وسيزورها الرئيس الصيني شي جينينغ.

واشنطن مهتمةٌ بترتيب وضع المنطقة، وبقائها في حالة صراعات وعدم استقرار

اتخذت دول الخليج العربي موقفاً محايداً من الغزو الروسي لأوكرانيا، وشكّل الأمر، بالنسبة للسعودية خصوصاً، فرصةً للعب على التباينات بين روسيا والغرب، من أجل تحصيل بعض المكاسب فيما يتعلق بالتسليح، وبإعادة النقاش بشأن العودة إلى البرنامج النووي الإيراني، وحول النفوذ الإيراني في المنطقة. في 2014، بعد ضم الرئيس الروسي بوتين شبه جزيرة القرم، كانت السعودية قد رضخت للطلب الأميركي رفع سقف إنتاج النفط، في مخالفةٍ لمصلحتها الاقتصادية. اليوم، تبقي على إنتاجها في حدودٍ دنيا، وتستفيد خزينتها، في ظل زيادة الطلب الدولي على الطاقة، من العوائد المرتفعة لبيع النفط الخام، لتمويل مشروع بن سلمان "رؤية 2030" التنموي. وهذا يعني أنها لن تقبل بالطلب الأميركي بتخفيض الأسعار من دون مقابل يرضيها.

أضعف ارتفاع أسعار مصادر الطاقة تأثير العقوبات الغربية على روسيا، ويحصل انتعاش للروبل الروسي في المدى القريب؛ وهناك تقدّم روسي، في دونباس، وليس في جعبة دول حلف الناتو غير تقديم السلاح والدعم المالي والسياسي لأوكرانيا؛ لكن المخاوف الغربية من سيطرة بوتين على دونباس أن يستمر في التقدّم إلى خاركوف وكييف، ستدفع دول "الناتو" إلى نقاش كيفية إيقافه، في مؤتمر مدريد في 29 و30 من شهر يونيو/ حزيران الجاري. لا ترغب دول "الناتو" في الدخول في حربٍ كبرى مع روسيا، وقد تناقش فكرة إيقاف الحرب والاعتراف بما أنجزه بوتين، ودفع الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، إلى القبول بالسيطرة الروسية على شرق أوكرانيا، والبقاء على الحياد؛ لكنها تحتاج ممارسة ضغوط حقيقية وفعالة على موسكو، لإجبار بوتين على قبول التفاوض، في ظل إصراره العسكري على الانتصار، عن طريق تخفيض سعر النفط إلى حدوده الدنيا، عبر الحليف السعودي.

للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، ترفض الرياض طلب واشنطن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، برفع سقف إنتاج النفط، لتخفيض أسعاره

في الواقع، لن تتغير الاستراتيجية الأميركية، التي تقضي بتخفيض الوجود في الشرق الأوسط، كثيراً، سواء أحكم جمهوريون أم ديمقراطيون، لكنها أيضاً مهتمةٌ بترتيب وضع المنطقة، وبقائها في حالة صراعات وعدم استقرار؛ هي تدعم التدخل الروسي في سورية دولة احتلال، ولا تمانع بدور إيراني تخريبي فيها، ولا بسيطرة مليشيات إيران على العراق ولبنان، وأمن إسرائيل ما زال ضمن أولوياتها، ولا تمانع في أن تساهم روسيا في هذا الدور أيضاً، عبر تقوية العلاقة الروسية الإسرائيلية، وبات التهديد الإيراني الشيعي للمنطقة يدفع دولاً عربية إلى التطبيع مع إسرائيل، ما يعني أن تخفيض وجودها العسكري في الشرق الأوسط لا يقلل من قدرتها على التحكّم بتوازنات قلقة في المنطقة، مع استمرار تأجيج صراعات دينية وطائفية، واستمرار دعم السياسات العنصرية في إسرائيل، خصوصا تجاه الداخل الفلسطيني.

ضمن هذا المعطى، قد يطرح بايدن على بن سلمان فكرة ناتو عربي - إسرائيلي لمواجهة النفوذ الإيراني؛ وهذا يفرض استكمال سياسات ترامب، بحثّ دول المنطقة على التطبيع مع الكيان الصهيوني. قد لا تجد السعودية في هذا الطرح ما يرضي مكانتها دولةً كبيرةً في مجلس التعاون الخليجي، أمام التفوق العسكري لكل من إسرائيل النووية وإيران شبه النووية. لكنها لا تملك فرصا كثيرة للمناورة في ظل حاجتها إلى التسليح أمام ضربات الحوثيين، وهي تحتاج دورا ضامنا لأمنها وأمن دول الخليج العربي، من دولة عظمى، ما زالت الولايات المتحدة صاحبة هذا الدور؛ وقد تقبل (السعودية) في المرحلة المقبلة بمكاسب تتعلق بالتسليح وتأمين حدودها، لكنها ستواصل التطلع إلى تحالفاتٍ أوسع مع روسيا والصين، خصوصا أنها لا تخشى أن يفتح نظاما الحكم، الديكتاتوريان، في الدولتين، أية ملفات حقوقية في وجهها.