كل هذا الشبه بين ترامب ونتنياهو

14 يناير 2025
+ الخط -

هذه هي المرّة الثانية التي يعقد فيها كاتب هذه السطور مقارنة تأملية بين شخصيتين إشكاليتين (الأولى قبل ثماني سنوات). ومع ذلك، كان من الأجدى كثيراً لو أن طبيباً نفسياً تولى تقصّي أوجه الشبه بين الرئيس الأميركي المُعاد انتخابُه دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، نظراً إلى ما يحتاجه مثل هذا التشخيص من أدوات تحليل نفسي وخبرات علمية تساعد على كشف بواطن التماثل الشخصي والفكري والسلوكي بين "شنٍّ وطبقه" المعاصريْن، اللذين يبدوان كأنهما من طينة سياسية واحدة، تم صبّها في بوتقتين متطابقتين.
ولمّا كنا نفتقر إلى مثل هذا الطبيب النفسي، أو عالم الاجتماع السياسي، فسوف نعتمد على عين المراقب الصحافي الثاقبة وحسّه المرهف، لالتقاط العناصر المتجانسة، وجسّ السمات المشتركة، وتبيان الخاصيات والعوامل الذاتية المتماثلة بين ترامب المتربّع على عرش القوة العظمى الوحيدة ونتنياهو القابض على مفاتيح القوة العسكرية المعربدة في الشرق الأوسط.
على هذه الخلفية المتشكلة عبر القراءات المكثفة، والملاحظات المتراكمة على مدى السنوات الطوال، يمكن القول، بقدر قليل من المبالغة، إن ترامب ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، يتشاركان في صفات الغرور والغطرسة، ويتشاطران جنون العظمة وسكرة القوة، ولديهما نزعة يمينيةٌ تشوبها الكثير من مظاهر العنصرية والميول الفاشية، كما أنهما مغرمان بالأضواء والإعلام والسلطة، يتحدّثان بروح "إسبارطية" ولا يتورّعان عن الظهور بمظهر النبي المخلّص، رسول العناية الإلهية، منقذ الحضارة من شرور "الارهاب الإسلامي" والبرابرة.
الاثنان متعطّشان للحكم المطلق بصورة مفرطة، ولديهما سجلٌ حافلٌ بالكذب والتضليل واللغة المزدوجة، وعندهما كراهية عمياء للمهاجرين واللاجئين والسود والأقليات، يحبّان نفسيهما بشدّة، ومُعجبان بهما كثيراً، إلا أنهما لا يحبّان الحقائق كما هي، كما أنهما يحبّان الكاميرا والميكرفون، إلا أن أقوالهما لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وهما مستعدّان لقول أي شيء يستقطب الناخبين المتطرّفين واليمينيين، يمارسان سياسة الفم الكبير، يتظاهران كلٌّ على حدة برجولة زائدة، أو قل فحولة سياسية لا تنطلي سوى على المساعدين المدجّنين.
ومع أن عهد ترامب الثاني لم يبدأ بعد، إلا أن لدى الرئيس الأميركي الجديد القديم سجل حافل بالإثارة والكذب والعناد والمبالغات، توازي كل ما صنعه الكذّاب رقم واحد بنيامين نتنياهو من أضاليل وحِيَلٍ ومراوغات في سنوات حكمه الطويلة، الأمر الذي بدا فيه هذان الأيديولوجيان المفوّهان كأنهما يقرآن من نصّ خطاب ديماغوجي واحد.
وبالتدقيق أكثر في شخصية كل منهما، نجدهما يعبّران بلغة الجسد عن مكنونات نفسيهما المسكونتين بالعجرفة وشهوة التسلط والإعجاب بالقوة الغاشمة، كما أنهما يتحدّثان بخشونة، ويرفعان من وتيرة الصوت ضد كل من يتجرّأ على إبداء الاختلاف معهما، فوق أنهما يقعان في الفضائح بسهولة ويهربان إلى الأمام بسرعة. يتآخى هذان المتهمان بالفساد في نهج التفرّد والفردية ويلفقان التهم، كيف ما اتفق، ضد القضاء والنساء واليسار والصحافة.
ولعل من المثير للعجب أن ترامب ونتنياهو، اللذين يعانيان من ملاحقات قضائية، وشبهات مشينة، وتحقيقات مختلفة، مرتبطان بعلاقة غامضة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يراهنان على صداقةٍ ملتبسةٍ مع شخصيةٍ من معدن آخر، ويقيمان علاقة غير مفهومه، أثارت الارتياب والشبهات وحفيظة الكونغرس ومجتمع الاستخبارات إزاء ترامب، فيما كانت هذه العلاقة الهجينة بمثابة رصيد إضافي لنتنياهو اللاعب على كل الأحبال المتاحة.
ولا يفوت أصحاب الذاكرة القوية حقيقة أن ترامب ونتنياهو نجحا، رغم استطلاعات الرأي التي رجّحت فوز منافسيهما، وحقق هذان المغرمان بالحكم، من دون حسيب أو رقيب، المفاجأة للمرة الثانية بالنسبة لترامب ولمرّات بلا عدد لنتنياهو، مع أن أياً منهما لا يمتلك الرؤية الاستشرافية العميقة، ولا الشجاعة السياسية، ولا القدرة على التسامي عن الخلافات الصغيرة في محيطيهما.
وبذلك، يجد ترامب ونتنياهو كل منهما في الآخر شريكاً مثالياً في الحلبة السياسية، وربما في السلوك الملتوي والهروب إلى الأمام. فالاثنان أنانيان بالفطرة، ومنغمسان في ذواتهما الشخصية المتضخمة، وغارقان في الأوهام التي يجدان فيها منطقة راحة نفسية، رغم أن كلا منهما، تحت ضغط التحقيقات والمساءلة المؤجّلة إلى حين، ولا سيما مع استمرار الملاحقات القضائية، بتهم الفساد والرشوة وسوء الأمانة مع نتنياهو، وشبهة تورّط ترامب بنحو 42 تهمة جنائية معلّقة، بعضها كانت منظورة أمام المحاكم الفدرالية.

(المقالة أعلاه آخر ما كتبه الكاتب الراحل، عيسى الشعيبي، الذي ستفتقده "العربي الجديد". كتب المقالة قبل ساعاتٍ من وفاته السبت الماضي (11/1/2025)، وقد أرسلها نجله إلى الصحيفة أمس الاثنين. رحمه الله)

 

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي