Skip to main content
كلوب هاوس .. حرية أم قيد؟
سعدية مفرح

واضحٌ أن "كلوب هاوس" أصبح هو الموضوع المفضل لكثيرين من كتاب المقالات الصحافية هذه الأيام، فقد قرأت، خلال الأسبوع الجاري، أكثر 20 مقالة تقريبا، رحّب معظمها بهذا التطبيق المثير، والذي اقتحم عالم التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، بعد فترة من الهدوء الذي ساد هذا العالم تقريبا. ويعتمد التطبيق، الذي ظهر بشكل محدود قبل شهور قليلة، على فكرة غرف المحادثات الصوتية العامة لكل المنضمين إليه، وفق آليةٍ تتيح لمن ينشئ واحدة من هذه الغرف أن يستقبل فيها كل من يودّ المشاركة في النقاش المطروح في العنوان.

ويبدو أن عدم السماح بإنشاء حسابات في هذا التطبيق إلا لمن تصل إليه دعوة خاصة ممن سبقه إليه فكرة تسويقية ناجحة، ساهمت في تشويق كثيرين للدخول إليه، باعتباره ناديا للنخبة، وهو ما ضاعف من مرّات تحميله أكثر من مرة، خلال الأسبوعين الفائتين، ما جعله يتربع على قائمة تطبيقات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد بسرعة شديدة، خصوصا في منطقة الخليج العربي.

وعلى الرغم من أن فكرة التطبيق ليست جديدة بالكامل، فقد سبقتها برامج ومواقع تعتمد على الدردشة الصوتية قبل سنوات، إلا أن الجديد في "كلوب هاوس"، هذه المرة، أنه أتى ربما بعد فترة تشبّع من الاستخدام التقليدي لوسائل التواصل الاجتماعي المعتادة، والمعتمدة على فكرة التدوين الكتابي، مثل "فيسبوك" و"تويتر"، ما رجّح كفّة التطبيق الجديد باعتباره أكثر سهولة في الاستخدام، حيث لا يتطلب سوى فتح أيقونة الميكرفون والتحدّث في أي قضية شاء، بلا سقف رقابي منظور. ولأن محادثات الغرف الصوتية في "كلوب هاوس" تختفي تماما بمجرد إغلاق الغرفة، ولن يعود لها أي وجود، بل تتلاشى في الفضاء السيبراني الحرّ بمجرد التلفظ بها، فهذا ساهم في تعزيز إحساس المستخدمين بشيء من الأمان، حتى وإن كان أمانا زائفا! فالجميع يقول ما يريد ولا دليل على ما قاله ما دام التطبيق يشترط على من يودّ التسجيل فيه أن يتعهد بعدم الاحتفاظ بنسخة مما يقال بأي شكل، تحت طائلة العقوبة بالحرمان من البقاء فيه لاحقا، على الرغم من أن كثيرين يعتقدون أن هذه الخاصية تحديدا لن تبقى على ما هي عليه طويلا. ومن التجارب السابقة لنا في استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي، منذ عقد ونصف العقد تقريبا، تعلّمنا أن المتضرّر من خصائص تلك الوسائل، وما تمنحه من حريات وأدوات لمستخدميها على سبيل التعبير عن الرأي، يسعى سريعا إلى الحدّ منها، أو التعامل معها بما يضمن ألا تصل كل إمكاناتها إلى المستخدمين. ولعل الحكومات تبدو دائما هي أكبر المتضرّرين من وجود مثل هذه التطبيقات الحرّة، والتي تتيح لمواطنيها أن يتحرّكوا فيها بسهولة، ما يتسبب في التعبئة العامة ضد سياساتها غالبا. وبالتأكيد أن حجم ضيق الحكومات من وجود تلك الوسائل التعبيرية الحرّة في الفضاء العام يتناسب طرديا مع حجم هامش الحريات المتاحة في هذا البلد أو ذاك. فكلما اتسع هامش الحرية قلّ حجم الضيق من أي وسيلةٍ تتيح استخدام ممكنات ذلك الهامش بسهولة ومجانية ويسر، والعكس صحيح. لكن عشّاق مثل هذه الممكنات يخشون أن يُستغل الأمر عكسيا، فيصبح "كلوب هاوس"، بطبيعته التفاعلية الحرّة وفكرته القائمة على تعزيز شهوة الكلام لدى مستخدميه، واستدراجهم تلقائيا لإبداء آرائهم التي قد لا يتاح لهم التعبير عنها بوضوح وسرعة وشفافية في الوسائل الأخرى، مصيدة لاصطيادهم، واستغلال ما يقولونه بعد تسجيل بطريقةٍ أو بأخرى، للإضرار بهم. التحدّي في بدايته، وها نحن في التطبيق نتحدّث ونراقب.