كلكم يبكي فمن سرق حقوق الإنسان؟

كلكم يبكي فمن سرق حقوق الإنسان؟

27 مارس 2021
+ الخط -

إذا كان "أدب السجون" في العالم العربي يحمل بطبيعة الحال سماتٍ وآلاما متشابهة، فإن "أدب السلطة" بدوره يجمع أمتنا العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة. فلنأخذ مثلا تلك القطعة رفيعة المستوى الواردة ببيان وزارة داخلية الحوثيين في صنعاء، عن كارثة مقتل وإصابة مئات اللاجئين الأفارقة. يتحفنا، في البداية، بالحديث عن "منظماتٍ دوليةٍ تدّعي أنها حقوقية تطلق بياناتٍ مضلّلة تفتقر إلى أدنى حد من المصداقية". المقصود على الأرجح هو تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي كشف تفاصيل الواقعة نقلا عن خمسة شهود.

المفارقة هنا أن موقع قناة "المسيرة" الحوثية الذي نشر بيان الداخلية يحوي أرشيفا ضخماً للأخبار المنقولة من المنظمة نفسها ضد خصومهم في السعودية والإمارات، حتى أن الموقع نشر في ديسمبر/ كانون الأول تقريرا من المؤسسة نفسها عن أوضاع العمال المحتجزين في السعودية، وتكاد تتطابق رواياتهم عن ظروف الاحتجاز عما رواه محتجزو صنعاء.

نرى الموقف نفسه في احتفاء السلطة الفلسطينية وحركة حماس بتقارير حقوقية ضد إسرائيل، والتذمر إذا توجه النقد ضد ممارسات في قطاع غزة والضفة الغربية، أو في احتفاء وسائل إعلام مصرية بتقارير المؤسسات نفسها ضد ممارسات تركية.

هذه هي القاعدة: المؤسسات الحقوقية ذات مصداقية إذا هاجمت خصومنا، وكاذبة إذا تناولتنا، حينها تغدو فوراً أداة "للمشروع الأميركي الصهيوني" كما ببيان الحوثيين. التعذيب في سجون الخصوم جريمة ضد الإنسانية، أما في سجوننا فهو مكرمة وطنية. أليس هذا هو المنطق، أيها المتعلمون!

بالعودة إلى البيان، نجد فقرة مطولة تالية حول "ثقافتنا الإسلامية الإنسانية"، ثم تأكيد أن "قادة المهاجرين" قد عقدوا مؤتمراً صحافيا أكّدوا فيه ارتياحهم وشكرهم للجهود الحكومية (بكامل إرادتهم الحرة طبعا!) ثم نصل أخيرا بعد لهاث إلى المعلومات! يؤكد البيان أنه ليس مكان اعتقال، بل هو "مركز للإيواء"، ويؤكد أنه لا يستوفي أي مواصفاتٍ فنيةٍ أو اشتراطات للسلامة، لكن المسؤول هو منظمة الهجرة العالمية لا السلطة الحاكمة. (بالطبع!)

يخبرنا البيان أن العنابر السبعة اشتملت على 862 مهاجرا، وأن العنبر الذي حدثت فيه المأساة اشتمل على 358 مهاجرا، توفي منهم 45 وأصيب 202. يقول البيان إن هؤلاء كانوا "في هياج شديد". في تقرير "هيومن رايتس ووتش" نعرف باقي الصورة، كان المهاجرون قد بدأوا إضرابا عن الطعام، احتجاجاً على سوء ظروف الاحتجاز، حيث لا مفروشات، ولا يكاد الطعام يسد الرمق، ولجأوا إلى الشرب من مياه المراحيض.

بعد سرد مطول عن جهود الإنقاذ، أخيراً، قرب نهاية البيان، يتذكّر الكاتب الفنان إضافة سبب هذه الجهود أصلا، فيقول باقتضاب إن ما حدث أن المهاجرين الأشرار اعتدوا على أحد الجنود، وبالتالي اضطرت قوات فض الشغب لإطلاق ثلاث قنابل غاز عليهم. يذكرنا ذلك ببيان الداخلية المصرية في واقعة مماثلة، هي مقتل 37 سجينا في سيارة الترحيلات عام 2013، بعد إطلاق قنبلة غاز. حينها برّر البيان الرسمي ما حدث بأن السجناء قد تمرّدوا واحتجزوا ضابطاً.

يضيف البيان الحوثي أنه تم توقيف 11 جندياً، وإن أقوالهم قالت إنهم لم يرجعوا إلى قيادتهم لأخذ الإذن. ما يذكّرنا للمفارقة بالبيان السعودي عن مقتل جمال خاشقجي، حيث ارتجلت الوحدة قرار قتل خاشقجي وتقطيعه من دون أوامر من القيادة.

ولكن البيان الحوثي منحنا لمسة فنية مبتكرة، بإضافته إن الجنود أفادوا بأن تأثير القنابل المسيلة للدموع لا يؤدّي إلى الموت وقد تم استخدامها في حالات مماثلة. كاد المبدع يباهينا بالخصوصية الثقافية اليمنية!

تنتهي "المعزوفة" بهجمةٍ مرتدّة ضد سفراء الاتحاد الأوروبي، الذين "تباكوا" على "حادث عرضي" حدث ما هو أسوأ منه في بلاد أخرى، ويدعو السفراء إلى قراءة "الكتاب الأسود" الذي يوثق انتهاكات اللاجئين في أوروبا. تبدو هذه الفقرة مستوحاةً من البيان المصري في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أخيرا حيث عاير 31 دولة غربية بانتهاكاتها الحقوقية.

تنتهي رواية جورج أورويل "مزرعة الحيوان" بحدوث تماهٍ بين الفئات الحاكمة من الخنازير والبشر، على الرغم من عدائهما المستحكم: "فما عادت الحيوانات تدرك: أين الخنازير؟ وأين الرجال؟".