كرة القدم والشتاء

كرة القدم والشتاء

07 فبراير 2022

(مريم الزدجالي)

+ الخط -

أقيمت هذا الشتاء في غير بلد عدة فعاليات كروية. وهذه مسقط تشهد شتاءً استثنائياً لم يمرّ بهذه الحدّة من قبل، وإنْ ليس شتاءً ثلجياً، بل هي فروق مهمة بين الشتاءات السابقة وشتاء هذا العام الذي تزداد حدّته في الليل، وتستبدل فيه أنواع الأغطية على أسرّة النوم. ومن أهم الفعاليات الكروية الشتوية بطولة كأس العرب في قطر، التي مرّت مشفوعةً بنجاح جماهيري، جعل أبناء الثقافة واللغة الواحدة يتجمعون تحت انفعال واحد وكلمة سواء في حب بعضهم وحب فلسطين، على الرغم من أنوف شذّاذ الآفاق، الصهاينة العنصريين الذين اغتصبوا أرضنا فلسطين. وكان بذلك كأس العرب رسول سلام شعبي، ونموذجاً للفعالية الرياضية التي يتمازج فيها اللعب بالأحلام المفقودة، أحلام نبذ خلافات العالم العربي السطحية وانسجامها تحت سقف أخوي واحد.
وفي هذه الأيام، مع كأس أفريقيا، كان للوجود العربي فيه طعم مهم يخفّف من لذعة الشتاء وقرصاته. والحديث هنا عن صعود تونس والمغرب ومصر إلى الأدوار العليا، على الرغم من عدم قدرة بعضها على الاستمرار طويلاً، ربما لأسباب تحكيمية، كما حدث مثلاً في مباراة تونس وبوركينا فاسو، حيث إنّ حكاماً مختصين اعتبروا الهدف البوركيني مشكوكاً فيه، كتحليل الحكم الدولي السابق السوري جمال الشريف. أو كما حدث، بصورة مختلفة، في مباراة المغرب ومصر، فوجودهما في مباراة واحدة يعني بالضرورة إقصاء الآخر، وكان المنتخب المصري في هذه المباراة مقاتلاً حقيقياً، وأدّى لعباً جماعياً، بينما اكتفى المنتخب المغربي بقدراته الفردية، معتمداً على لاعبين دوليين، ولكن للروح الجماعية غلبتها.
اعتدت أن أشاهد مباريات كأس أفريقيا في مقهى "الدجاج الطازج" في سوق الخوض، وهو مقهى يظل مفتوحاً طوال الليل والنهار، وفيه شاشات كبيرة يكون الحشد فيها وافراً، حين المباريات العربية. الجميل أن الحضور يكون أكبر مع وجود منافس عربي في الجهة الأخرى، كما حدث مع مباريات تونس والجزائر والمغرب ومصر، وفي مباراة مصر مع المغرب، ولأنه توجد جالية مصرية كبيرة في مسقط، كان المقهى مليئاً، بل ترى بين الحضور من لا يجد كرسياً فيظل يشاهد واقفاً في الخلف. وكانت مباراة مصر والكاميرون الأكثر زخماً في المقهى، بل إن مقهىً قريباً منه نصب، هو الآخر، شاشة صغيرة، فامتلأت الساحة أمامها بالمشاهدين العرب، وخصوصاً من المصريين والتونسيين، وطبعاً العمانيين. والطريف في المقهى المقابل أن العرض فيه يتأخر قليلاً عن العرض في شاشات مقهى الدجاج الطازج حوالى ثلاثين ثانية. وهنا صرنا نعيش ما يشبه فانتازيا الانتظار، فحين تأتي هجمة للفريق المصري ويشاهدها متفرّجو "الدجاج الطازج" الذي يقدّم الشيشة إلى جانب الشاي والقهوة، ترتفع أصوات التشجيع وتعلو الحناجر عن آخرها. ثم يخيم صمت الترقب والاندماج بالمشاهدة. وبعد مرور الثلاثين ثانية تلك، يصيح الهتاف في المقهى المقابل، وتعلو أصوات الحسرة والاحتجاج على تضييع فرصة محققة. حتى إنّ شباباً عُمانيين رقصوا بعد فوز المنتخب المصري رقصات "الليوى" الشعبية المسقطية التي صُوِّرَت بهواتف الجمهور المصري الفرحان، كانوا يحسبون من باب الفكاهة من الواحد إلى الثلاثين، وهم ينتظرون أن تعلو حناجرالمقهى الآخر. وعشنا، بسبب هذه الطريقة الغريبة، في جوَّين من التشويق، أحدهما واقعي، ولكنه بعيد في الكاميرون، تقرّبه لنا الشاشة، والآخر لا يقل واقعية على بعد شارع منا.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي