قواعد إيران العسكرية في العراق

قواعد إيران العسكرية في العراق

13 ابريل 2021
+ الخط -

لم يعد سرّاً الحديث عن التغلغل الإيراني في العراق، ولم يعد سرّاً أيضاً القول إن إيران متحكّمة بالوضع داخل العراق، إلى درجةٍ يصعب تصورها، غير أن الجديد ربما في الأمر أن إيران بدأت تخطط لبقاءٍ طويل الأمد في العراق، بقاءٍ ربما سيكون من الصعوبة بمكان تفكيكه بسهولة، خصوصا مع توفر كل الإمكانات المطلوبة لمثل هذا النوع من البقاء والاستمرارية.
تملك اليوم إيران نفوذاً قارب أن يكون الهيمنة الكاملة على كل العراق، بمقدّراته وإمكاناته، هيمنة حوّلت مدنا ومحافظات كثيرة في العراق إلى قواعد انتشار رئيسية لمليشيات ولائية، مليشيات عراقية المظهر إيرانية الجوهر، لا تعترف بالعراق إلا بأنه امتداد جغرافي طبيعي ومذهبي لإيران، فهي تدين بولائها للولي الفقيه، ولا تعترف بأي ولاء دونه.
سعت إيران، وخصوصا عقب نهاية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى دفع القوى السياسية العراقية إلى الطلب من القوات الأميركية التي انتشرت في العراق عقب هيمنة "داعش" على ثلثي مساحة البلاد، للانسحاب، وهو ما أثار الرعب في نفوس بعض القوى العراقية، ومعها دول مجاورة، من صدور قرار كهذا، خصوصا وأنه سيعني، من بين ما يعنيه، هيمنة إيرانية مطلقة، وبالتالي تهديدا دائما لدول الجوار التي بينها وبين إيران ما صنع الحداد، السعودية تحديدا.

بينما تستعد إيران لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، فإنها ترى فرصة مواتية لانسحاب أميركي من العراق

عقب عملية قتل قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ومعه العراقي نائب رئيس الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في مطار بغداد، مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، في عملية أميركية، سارعت طهران إلى الضغط باتجاه دفع القوى السياسية العراقية إلى إصدار تشريع برلماني يجبر القوات الأميركية على الانسحاب، وهو ما تم فعلاً، وسط غياب من القوى السنية والكردية التي رأت في القرار ردة فعلٍ غير محسوبة العواقب، وهي، إن شئت الدقة، كانت متخوفةً من تغول إيراني لا متناهٍ على العراق بكامل مقدّراته.
اليوم، وبينما تستعد إيران لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق ترامب، فإنها ترى فرصة مواتية لانسحاب أميركي من العراق، خصوصا وسط سعي واشنطن إلى إقناع إيران بالعدول عن تنفيذ مزيد من الخطوات التصعيدية، فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وتقوم المليشيات الولائية التابعة لإيران في العراق، من وقت إلى آخر، بعمليات قصف لما تبقى من القواعد الأميركية في العراق، بالإضافة إلى عمليات استهدافٍ متكرّرة لأرتال الدعم اللوجستي الذاهبة لتلك القواعد بشكل شبه يومي، في رسائل متكرّرة إلى واشنطن أن بقاءها في العراق مكلف وغير مجدٍ.
لن تقبل إيران، التي باتت ترى في هيمنتها على العراق فرصة تاريخية لن تتكرّر، التفاوض على هذا الملف، كما يعتقد بعضٌ ممن يرون أن أي مفاوضات أميركية إيرانية مقبلة حتما ستحمل بين طياتها تفاصيل رفع إيران يدها عن بعض الملفات في الشرق الأوسط، ومنها العراق الذي يعدّ اليوم الدجاجة التي تبيض ذهباً لإيران، فناهيك عن الفوائد والعوائد الاقتصادية التي تجنيها سنوياً منه، ويتوقع أن تصل إلى نحو 20 مليار دولار سنوياً، بات الوجود العسكري الإيراني في العراق حقيقة واقعة، ما يجعل منه ورقة تفاوضية مثالية لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة.

هناك وجود عسكري إيراني على طول الحدود العراقية مع السعودية، ما سمح لها بمهاجمة السعودية، وتحديدا شركة أرامكو

هناك اليوم قواعد عسكرية إيرانية بالفعل انتشرت في العراق، ولعل جرف الصخر، المنطقة الزراعية جنوب بغداد، وتم تهجير أهلها إبّان الحرب على "داعش" عام 2014، مثال صارخ على هذا الوجود، حيث تفيد مصادر عسكرية عراقية بأن هذه المنطقة تمثل قاعدة عسكرية إيرانية، فيها مئات من المستشارين، بالإضافة إلى قواعد صاروخية بعيدة المدى، ومصانع عسكرية.
بخلاف جرف الصخر، تتوارد أنباء عن وجود عسكري إيراني في منطقة النخيب (غرب) والمحاذية للحدود العراقية السعودية، حيث تفيد تقارير بأن هذه المنطقة تحوّلت إلى قاعدة عسكرية إيرانية ضخمة، تديرها مليشيات ولائية، وتضم مئات المستشارين الإيرانيين، بالإضافة إلى قواعد صاروخية بعيدة المدى. وهناك أيضا وجود عسكري إيراني على طول الحدود العراقية مع السعودية (طولها 800 كيلومتر)، ما سمح لها بمهاجمة السعودية، وتحديدا شركة أرامكو في منطقة بقيق سبتمبر/ ايلول من العام 2019، حيث تبنت فصائل مليشياوية ولائية عراقية تلك الهجمات، على الرغم من اتهام الرياض جماعة الحوثيين في اليمن.
واليوم تبني إيران قواعد عسكرية لها في العراق، بعلم حكومة بغداد أو من دونه، تسعى إلى أن تكون قواعد دائمة. ولكن هل يمكن لإيران أن تتحمل كلفة هذا البقاء، في بلد بات شعبه يرى في نظام الحكم الإيراني عدوه الأول؟ ستكون تكلفة البقاء الإيراني في العراق مرتفعة جدا، خصوصا في ظل استمرار الفساد واستشرائه وانعكاساته على كل تفاصيل الحياة في البلاد، وفشل عموم الطبقة السياسية في إيجاد مخرج للبلد وأزماته المستفحلة.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...