قمّة ترامب العربية

10 فبراير 2025
+ الخط -

ليس معلوماً على وجه الدقة كم دقيقة مرّت على إعلان الموقع الرسمي لوزارة الخارجية المصرية عن عقد قمّة عربية "طارئة" في القاهرة نهاية شهر فبراير/ شباط الجاري، وبين إعلان الموقع نفسه عن سفر وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى واشنطن على وجه السرعة لمباحثاتٍ مع إدارة ترامب بشأن مشروع ترامب لاستعمار قطاع غزّة.

تعقد القمّة العربية (الطارئة) بعد نحو ثلاثة أسابيع من قنبلة ترامب الناسفة للمنطق وللقانون الدولي وللكرامة الوطنية، تلك التي فجّرها الرئيس الأميركي على شرف مجرم الحرب الصهيوني رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في أثناء زيارة الأخير واشنطن، والتي حملت وعد ترامب بسيطرة أميركا على قطاع غزّة وإعادة بنائه على طريقتها، وتحويله إلى "ريفييرا" عالمية، بعد تفريغ القطاع من سكانه الأصليين واجتثاث جذور مقاومة الاحتلال.

اشتمل وعد ترامب على الحدّ الأقصى من الإهانة للنظام العربي كلّه، وخصوصاً مصر والأردن، بقوله إنهما سينفذان ما يطلبه منهما، ثم السعودية التي اقترحها نتنياهو مكاناً بديلاً لإنشاء الدولة الفلسطينية فيه حال رفض كلّ من القاهرة وعمّان استقبال الشعب الفلسطيني بعد اقتلاعه من أرضه.

كانت هذه المُعطيات المُهينة تتطلّب أقصى درجات الغضب الرسمي العربي الذي يفضي إلى عقد قمّة عربية، حقيقية، تعلن بوضوح موقفاً حاسماً يتمرّد على حالة التبعية الكاملة للرؤية الأميركية لمعركة طوفان الأقصى، وتدارك الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبه الرسميون العرب بخذلان الطوفان، والتواطؤ، بل والتآمر عليه في محطّات عديدة، وهو ما تجلّى في تصريحات وإجراءات منحت العدو الصهيوني شعوراً بالاطمئنان، إذ يواصل جريمته 15 شهراً من أعمال الإبادة والتطهير العرقي، كان خلالها الخطاب العربي الرسمي في معظمه يدين المقاومة ويحمّلها مسؤولية دمار غزّة بالقدر نفسه الذي يتحمّله الاحتلال، وأرشيف التصريحات والمواقف محفوظ.

ومرّة أخرى، كان المنطق يقول إنّ طوفان 7 أكتوبر يوفّر فرصة لا تتكرّر أمام النظام العربي، لكي يتحرّر من قيود التبعية للمشيئة الأميركية ويتصالح مع شعوبه التي قرأت منذ اليوم الأوّل أنّ الطريق إلى التحرير قد انفتح، وتصوّرت أن بالإمكان أن يسمح لها النظام بالحضور في معركة المصير، غير أنها سرعان ما اكتشفت أن عداء الحكومات العربية للمقاومة لا يقلّ عن كراهية الاحتلال الصهيوني لها، كما عبّر عن ذلك بوضوح وزير خارجية مصر السابق، سامح شكري، أمام منتدى الأمن في ميونيخ، المُنعقد بعد أربعة أشهر من الطوفان، حين قال إنّ حركة حماس (المقاومة) من خارج الإجماع الفلسطيني والاعتراف الإسرائيلي، وتجب محاسبة من عمل على تعزيز قوّة الحركة في غزّة وتمويلها.

حسناً، ليس هذا وقت البكاء على ما انسكب عمداً، لكنه بالتأكيد وقت التذكير بما أدار له العرب ظهورهم فانهال ترامب ونتنياهو عليهم بسوط التهجير، لا لشيءٍ إلا لأنهم تنكّروا للحقّ في التحرير وسخروا من شرعية الحلم به، وهنا تحضر كلمات الشهيد حسن نصر الله في ذروة المعركة "لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية فلا معركة مثل القتال ضد الصهاينة"، مردفاً إنّ "انتصار غزّة انتصار لكلّ الدول العربية"، ومن ثم يجب أن تكون في جانب الحقّ العربي، غير أنّ هذه الدول العربية لم تستطع حتى أن تنعى الشهداء من صنّاع هذا الانتصار الذي يتمسّحون به الآن، ويدّعون لأنفسهم أدواراً في تحقيقه.

والحال كذلك، القمّة العربية الحقيقية كما نفهمها هي ألا تكون قمّة لاحقة لقمم ثنائية سرّية يستدعي لها دونالد ترامب حكاماً عرباً لمناقشة مشروعه الذي لا يزال يصرّ على أنه سينفذ، وأنهم سيوافقون في النهاية، كما أنّ هذه القمّة يجدُر بها أن تدعو للمشاركة فيها كلّ الحكومات غير العربية التي خاضت معركة الدفاع عن الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وعلى سبيل المثال جنوب أفريقيا وكولومبيا، بالإضافة إلى إيران وتركيا بالطبع، ثم ما الذي يمنع هذه القمّة التي تبحث في مصير الشعب الفلسطيني المهدّد بعواصف واشنطن وتل أبيب من أن تدعو للحضور قيادات الفصائل الفلسطينية كلّها في رسالة تأخرت 15 شهراً لمن يتربّصون بالجغرافيا والتاريخ؟.

هي قمّة، يمكن أن تكون عربية وطارئة حقّاً، لو كان أوّل قراراتها تسيير القوافل الطبيّة إلى قطاع غزّة لإقامة المشافي المتنقلة، وتأهيل ما تبقى من مشافي غزّة لعلاج جرحى العدوان في وطنهم، بدلاً من تسرّبهم بالعشرات إلى الخارج، من دون أن تكون عودتهم إلى وطنهم مؤكّدة.

يمكن لهذه القمّة أن تكون تاريخية، لو قرّرت أن يبدأ العرب في تعمير غزّة فوراً، من دون حاجة إلى استعمارها عن طريق دونالد ترامب، راعي الأحلام الصهيونية في امتلاك الشرق الأوسط كلّه.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة