قمة شرم الشيخ .. تسليم القيادة لإسرائيل

قمة شرم الشيخ .. تسليم القيادة لإسرائيل

29 مارس 2022

السيسي يتوسط محمد بن زايد وبينت في شرم الشيخ (22/3/2022/الأناضول)

+ الخط -

عقدت قمة ثلاثية في شرم الشيخ الأسبوع الماضي (22 مارس/ آذار)، ضمّت إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت. ناقشت مواضيع ثنائية وثلاثية وإقليمية بامتياز، ركزت أساساً على العودة الأميركية المحتملة إلى الاتفاق النووي مع إيران والغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته المباشرة على المجتمعين والمنطقة بشكل عام، وجرى حوار حول القضية الفلسطينية، ولو من الزاوية الأمنية والاقتصادية وهوس التهدئة، ومنع الانفجار في الضفة الغربية وقطاع غزة من دون أي أفق سياسي، إضافة إلى ملفات أخرى، ثنائية وثلاثية وإقليمية، بدت إسرائيل متنفذة وعاملا مركزيا فيها.
بدايةً، لا بد من الإشارة إلى قاعدة فكرية سياسية مهمة جداً، مفادها أن التنسيق الإسرائيلي العربي بات علنياً، ولا يتعلق أمره بالتطبيع بمعناه التقليدي، كما شهدناه خلال عقود ماضية، بل بتنا أمام نقاشات موسّعة بشأن ملفات إقليمية، لا تكرّس التطبيع أو الحضور الطبيعي جداً، بل القيادة والزعامة الإسرائيلية في المنطقة بأفضل حتى مما تمنّاه رئيس الوزراء السابق شيمون بيريز، في شرق أوسطه الجديد، على أساس قاعدة الأرض مقابل السلام والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في يونيو/ حزيران 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة ضمن حدود 4 يونيو، وعاصمتها القدس، مع حل عادل لقضية اللاجئين، كما كان يقال بالخطاب السياسي زمن بيريز واتفاق أوسلو في تسعينيات القرن الماضي.

يعود الموقف العربي المحايد من الأزمة الأوكرانية إلى الذهنية الاستبدادية التي تدفع أصحابها إلى التقرّب من روسيا والصين

كان الملف الأول على جدول أعمال القمة احتمال العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران وأميركا والمجتمع الدولي، وقد نال الأولوية لتداعياته على الملفات الأخرى والمنطقة بشكل عام. جرى النقاش هنا على قاعدة القلق والتوجس والتحفظ على السياسات الأميركية، والسعي إلى تحالف عربي إسرائيلي ضمن محاولات ملء الفراغ الناتج عن الانكفاء الأميركي باعتبار الاتفاق النووي خطوة في هذا السياق، بينما بدت الدولة العبرية هنا كأنها تأخذ مكان الولايات المتحدة بصفتها القيادية والقوة الأبرز في الاجتماع، كما بقية التحرّكات واللقاءات الأخيرة الساعية إلى بلورة الرؤى والمواقف المناسبة من هذا الملف وبقية الملفات ذات الصلة، واعتبار إيران الخطر الإقليمي المركزي، وبالتالي إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال وإبقائها في الحيزين الأمني والاقتصادي.
وفي ما يخص الغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما تبنّى الطرفان العربيان موقفاً محايداً أقرب إلى روسيا، جاء الموقف الإسرائيلي ملتبساً. وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية يئير لبيد المندّد بالغزو، إلا أنه استدرك لاحقاً لتبرير هذا الالتباس، وعدم إعلان موقفٍ مندّد حاسم وقاطع من رئيس الوزراء أو الحكومة مجتمعة بالرغبة في عدم رؤية سقوط طائراتٍ أو أسرى إسرائيليين في سورية، حيث روسيا رب البيت، كما يقال دائماً في الإعلام العبري.
يعود الموقف العربي المحايد من الأزمة الأوكرانية إلى الذهنية الاستبدادية التي تدفع أصحابها إلى التقرّب من روسيا والصين، كما يعبر عن الغضب والاحتجاج تجاه الموقف الأميركي الضعيف من قضايا إقليمية، بما فيها الملف النووي الإيراني والقصف الحوثي للإمارات والسعودية. أما دعوة إسرائيل إلى الوساطة، فتمثل تبنّياً عربياً تقليدياً لفكرة أن الطريق إلى واشنطن يمرّ بتل أبيب التي سعت فعلاً إلى التقريب بين الإمارات وأميركا في قضايا النفط والتبعية والحماية من تداعيات الاتفاق النووي والانكفاء عن المنطقة. ولا تقتصر الوساطة الإسرائيلية مع أميركا على الإمارات، وإنما تشمل مصر أيضاً، حيث تسعى تل أبيب إلى حصول القاهرة على حماية سياسية واقتصادية وتخفيف الضغوط عليها في مجال حقوق الإنسان، وتقديم مزيد من المساعدات المالية والعسكرية، بما فيها الموافقة على بيعها طائرات أف. 15، بدلاً من طائرات ميغ 32 الروسية. كما تتضمن الوساطة الإسرائيلية دعم القاهرة للحصول على قرض إضافي من صندوق النقد الدولي، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الأوكرانية عليها، بعد شهور من حصولها على قرض سابق لمواجهة تداعيات جائحة كورونا.

إننا أمام تعبير عن عزلة النظام المصري وضعفه، علماً أنه سيدفع بل دفع الثمن فعلاً عبر القبول بالقيادة الإسرائيلية الإقليمية

الوساطة، بل القوة الغالبة الإسرائيلية الناتجة عن الضعف والاستجداء العربيين، بلغت أيضاً حد التفكير في توفير بدائل لمصر عن القمحين الروسي والأوكراني، عبر فتح قنوات اتصال إسرائيلية مع الهند ودول أخرى، لتوفير كميات إضافية منه بشكل عاجل لمنع حصول أزمة غذائية مع اقتراب شهر رمضان الكريم.
إننا أمام تعبير عن عزلة النظام المصري وضعفه، علماً أنه سيدفع بل دفع الثمن فعلاً عبر القبول بالقيادة الإسرائيلية الإقليمية، كما بالوساطة غير العادلة أو النزيهة في الملف الفلسطيني الذي شهد، كما نشرت "العربي الجديد" قبل أيام، استحضار الشقّ الاقتصادي لصفقة القرن الترامبية، على الرغم من إزاحة شقها السياسي، وحتى هي نفسها عن جدول الأعمال رسميا. وهذا يجري على قاعدة تجاهل القيادة الفلسطينية والسلطة الوطنية، بل السلطتين في رام الله وغزة، وفرض الأمر الواقع عليهم، ولو بأساليب ووسائل مختلفة، تتضمّن فصلاً سياسياً وجغرافياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن مع فرض التهدئة فيهما، حيث تعمل إسرائيل مباشرة مع سلطة رام الله في سياق أمني اقتصادي واجتماعي، بمساعدة أميركية لافتة، وحتى مصرية وأردنية، مع تركيز على غزّة المتفجرة أكثر، والتي جرى تلزيمها رسمياً للقاهرة. وبعد عمل تمهيدي على تثبيت التهدئة خلال الشهور الماضية، ثمّة تحضيرات لخطط ومشاريع تنموية، تموّلها الإمارات في سيناء، هي نفسها التي تحدّثت عنها صفقة القرن (منطقة تجارية حرّة وبنى تحتية لخدمة الغزيين بما ذلك محطات مياه وكهرباء وتطوير ميناء العريش)، تكفل تحقيق أهداف إسرائيل المركزية في التهدئة الطويلة وتقليص الصراع، وتكريس السلام الاقتصادي حقيقة واقعة. وفي السياق زيادة نفوذ مصر، وتحقيق مكاسب مالية عبر المشاريع العملاقة في سيناء، ولا يقل عن ذلك أهمية نيل رضا تل أبيب، وبالتبعية واشنطن أيضاً.

تبدو إسرائيل وكأنها عضو في جامعة الدول العربية، ولو بشكل غير رسمي

وفي ما يخص الملف السوري، سافر بن زايد إلى شرم الشيخ، بعد ساعات من استقباله بشار الأسد في أبوظبي، حيث نال الأخير دعم المجتمعين لإعادته إلى جامعة الدول العربية، وفي الحد الأدنى بذل محاولات لتعويمه وشرعنته عربياً ودولياً، بحجة (أو للدقة بوهم) إبعاده أو على الأقل إضعاف علاقته مع إيران، وهي مهمة لن تستطيع القيام بها الإمارات وحدها. هنا، وفي مشهد سوريالي، تبدو إسرائيل وكأنها عضو في جامعة الدول العربية، ولو بشكل غير رسمي، ما يعيدنا إلى تصريحات بيريز أو أحلامه عن مجيء دور تل أبيب في القيادة، بعدما قادت القاهرة المنطقة من الخمسينيات وحتى السبعينيات، ثم الرياض حتى التسعينيات.
في العموم، يبدو الحراك العربي، الإماراتي المصري، أقرب إلى التخبط والعشوائية منه إلى الرؤية الثاقبة المتماسكة التي يُفترض أن تستند إلى عمل عربي مشترك، بالضرورة لا مكان لإسرائيل فيه، ناهيك عن إعطائها دوراً قيادياً. ومنهجياً، لا تملك منظومات الاستبداد والفساد العربية الساقطة، على الرغم من محاولة الإنعاش، والتنفس الاصطناعي، القدرة على تقديم حلول للتحدّيات في ظل الواقع، بل الوقائع الصارخة في مصر وسورية والأردن وفلسطين، وحتى في الإمارات نفسها التي تلقت الضربات الحوثية المتتالية، نتيجة سياساتها الكارثية في اليمن والعالم العربي ومعاداة الثورات الأصيلة، واستنفاد الجهود في دعم تلك الثورات المضادّة، وإعادة إنتاج أنظمة الفلول الجدد من بشار والسيسي والانفصاليين اليمنيين شرقاً إلى خليفة حفتر وقيس سعيّد غرباً.