قطر في لبنان... عقود من الدعم والإسناد السياسي والاقتصادي

15 يناير 2025

مساعدات مقدّمة من قطر للبنان في مطار رفيق الحريري (8/10/2024/ Getty)

+ الخط -

يعتقد كثيرون أن بداية ظهور الدور القطري في لبنان يعود إلى حرب تموز في عام 2006، حين دعم أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لبنان في حربه ضد الاحتلال الإسرائيلي على المستوى السياسي، ولاحقاً في مرحلة إعادة الإعمار، فأصبحت عبارة "شكراً قطر" حينها الشعار الأبرز. ثم تجدّدت مفاعيل هذا الشعار بإنجاز دبلوماسي لقطر تمثّل في نجاح وساطتها لإنهاء التأزم الداخلي اللبناني، وإبرام "اتفاق الدوحة" الذي أسّس لتسوية سياسية نجحت في ضبط الانقسامات الداخلية اللبنانية ضمن إطار مؤسّسات الدولة إلى حدّ كبير.

بدأ حضور قطر الرسمي في السياسة اللبنانية بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في 1975، ورمزية التاريخ ملفتة، ذلك أنه يفيد بأن قطر استطاعت البدء بتطبيق سياستها الخارجية بعد سنوات قليلة من نيلها استقلالها من بريطانيا في 1971. بعد الاستقلال، عرفت قطر ثلاثة عهود من الحكم، بدءاً من الأمير الشيخ خليفة بن حمد (1972 – 1995)، والأمير حمد بن خليفة آل ثاني (1995 – 2013)، ثمّ العهد الحالي مع الأمير تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الذي تسلّم مقاليد الحكم في 2013. وفي العهود الثلاثة، لم تتغيّر السياسة أو الاستراتيجية القطرية تجاه لبنان، وإذا كان من الممكن إعطاء عنوان لها، فهو الدبلوماسية الثابتة المتعدّدة المسارات لدعم لبنان. وأكثر ما يلفت في مراجعة الوثائق المتوفرة أن قطر حافظت وعزّزت مسار استراتيجيتها البنّاءة التي قد تفتح الباب لدور أكبر في المستقبل تحت عنوان لم يتغّير عقوداً، وهو دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها من دون الدخول في صراع المحاور ولعبة الانقسامات السياسية الداخلية، إن كان بين الطوائف والمذاهب اللبنانية أو بين الزعامات والمجموعات الطائفية والمذهبية والواحدة.

دعم مؤسّساتي لم ينقطع

في فترة الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990) لم تستثمر قطر مالياً أو سياسياً لتغذية فريق ضد آخر، بل أعلنت القيادة القَطرية دعمها مؤسسات الدولة الشرعية و"مساندتها للسلطة الشرعية في لبنان وإيمانها بوحدته وسلامة أراضيه واستنكارها للمحاولات الرامية إلى تفتيته، وذلك انطلاقاً من مبادئها والتزاماتها القومية.[1]" وعبّر أمير قطر آنذاك الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني مراراً على أولوية قطر في العمل على إعادة الاستقرار إلى لبنان، إذ إنها معنية بعودة الهدوء إلى لبنان، وهي تبذل كل الجهود لمساعدة اللبنانيين على تحقيق سيادتهم ووحدتهم واستقلالهم، وهي تتابع باهتمام التحركات القائمة والمبادرات المبذولة لتحقيق الوفاق الوطني"[2]. في سياق متصل، عملت قطر على تفعيل حضورها الدبلوماسي من خلال المشاركة في المحافل الدولية والاجتماعات لدعم لبنان من أجل "وقف نزف الدم على الساحة اللبنانية والدعوة الدائمة إلى الالتفاف حول السلطة الشرعية لحل الأزمة وبسط الأمن والسيادة"[3].

في عام 2005، وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وانسحاب القوات السورية من لبنان، استمرّ الدعم القطري السياسي لمؤسسات الدولة اللبنانية حصراً، عبر الحكومات المتعاقبة بصرف النظر عن لعبة الانقسامات الداخلية الذي شكّل الصراع الإقليمي آنذاك الإطار السياسي والعسكري لها. عند كلّ تصريح واستحقاق لبناني، كان الأمير آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يعبّر عن دعم بلاده لبنان على كل الصعد عبر مؤسسات الدولة، فلم يقاطع أي حكومة أو يدعم أي طرف على حساب آخر.  ونجحت قطر بامتياز في تحقيق هدفها وفي تطبيق استراتيجيتها، وهو دورها في الوساطات لحلّ النزاعات في المنطقة العربية أولاً، وفي العالم بشكل عام. ويشكّل هذا الدور الذي أثبتت ريادتها به على مرّ السنوات الأساس الذي بنت عليه القيادة القطَرية سياستها الخارجية.  

في فترة الحرب الأهلية في لبنان لم تستثمر قطر مالياً أو سياسياً لتغذية فريق ضد آخر، بل أعلنت دعمها مؤسسات الدولة الشرعية

انطلاقاً من هذه الركيزة، أعادت دولة قطر تفعيل دعمها في لبنان في أزماته الداخلية، مثل محاولة التوفيق أو ترميم العلاقة بين سورية ولبنان في عام 2006، عبر وزير خارجيتها آنذاك حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في زيارته بيروت في فبراير/ شباط 2006 ولعلّ المحطة الأبرز في الدور القطري على المستوى السياسيّ كان إبرام التسوية اللبنانية الداخلية أو ما عًرف باسم "اتفاق الدوحة" في عام 2008 الذي منع لبنان من الانزلاق إلى فصول جديدة من الحرب الأهلية، وأعاد التوازن إلى مؤسساته الدستورية. أُبرم الاتفاق بعد أيام من الجلسات المطوّلة بين الموالاة والمعارضة في الدوحة في مشهد يذكّر بجلسات مؤتمر الطائف[4]، ثمّ لاحقاً في الاتصالات التي قامت بها القيادة القَطرية بالتعاون مع فرنسا في العام نفسه لوضع الاتفاق موضوع التنفيذ.

هنا، لا بدّ من الإشارة إلى جزئية مهمّة جداً يجب الإضاءة عليها. في لبنان، ثمّة معادلة إقليمية تسمّى "س - س" أي "سورية - السعودية" أو "س- س- إ" أي "سورية- السعودية- إيران" شكّلتا المظلة الإقليمية التي أمسكت بالملف اللبناني منذ انتهاء الحرب الأهلية مروراً بالمرحلة التي أعقبت العام انتهاء الوصاية السورية في عام 2005 وما بعدها. من هنا، قد يسأل بعضهم حول الحضور القطري في هاتين المعادلتين، ولعلّ تصريح رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر في عام 2020 يشكّل الإجابة المناسبة عن هذا السؤال، حين قال إن بلاده "لا يمكن أن تكون جزءاً من هذا التوجّه"، لأنها "تفقد دورها المنفتح على كلّ الاتجاهات".

ومع صدور القرارات الاتهامية بالمحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري، لعبت كل من قطر وتركيا دوراً كبيراً ومباشراً في محاولة منع امتداد الصراع أو الانقسام السياسي والطائفي الذي رافق تلك المرحلة إلى خارج مؤسسات الدولة، وبالتالي الوقوع مرّة جديدة في خطر اندلاع الاقتتال الداخلي.  ومع بداية عهد الأمير تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني في عام 2013، استمرّت السياسة القطرية الداعمة لبنان من خلال دعم مؤسسات الدولة بشكل مستمرّ، ولا سيّما مؤسّسة الجيش اللبناني أو في تقديم المساعدات العينية والمالية المباشرة للقطاع الصحي بعد جائحة كورونا وتفجير مرفأ بيروت، ولقطاع التعليم.

يعيد القطريون عند كل استحقاق تذكير اللبنانيين أنفسهم عن دور بلدهم المهمّ في المنطقة وعلى ضرورة استعادة هذا الدور

سياسياً، حاولت قطر عبر دبلوماسيتها تجنيب لبنان الدخول في الحرب السورية، وفي الوقت نفسه، قدّمت الدعم المباشر له في ظلّ المخاطر الكبيرة التي عانى منها بسبب الحرب. في هذا الإطار، لعبت قطر دوراً بارزاً في "تأمين دعم الدول المانحة للبنان لمساعدته على تخطّي أزمة النزوح السوري"، وهو ما تجلّى في كل التحرّكات والتصريحات الرسمية التي رافقت تلك المرحلة. على سبيل المثال، صرّح رئيس الوزراء القطري آنذاك عبد الله بن ناصر آل ثاني في عام 2014 أن بلاده تقدّم "الدعم الكامل للاستقرار في لبنان سياسياً وأمنياً لإبعاده عن توترات المنطقة، خصوصاً الأزمة السورية ومساعدته على تجاوز المرحلة لا سيّما في دعم مسألة السجون واحتياجات قوى الأمن الداخلي والأمن العام". والأبرز في تلك المرحلة، استجابة أمير قطر الشيخ تميم لطلب رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام بتقديم المساعدة لتحرير العسكريين المخطوفين في منطقة عرسال.

وفي عام 2016، كانت قطر من الدول العربية الأولى التي دعمت لبنان بعد انتخاب الرئيس السابق ميشال عون. وفي حين قاطع قادة عدة دول عربية القمة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت في عام 2019، شكّل حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني القمّة ترجمة عمليّة لسياسة قطر الخارجية وللدعم المستمرّ الذي تقدّمه للبنان. ولم يكن الدعم سياسيّاً فقط، بل أيضا مالياً عبر استثمار 500 مليون دولار في شراء سندات حكومية، ما دفع ببعض الدول الأخرى إلى تقديم الوعود بالمساعدة. واستمرّ الدعم السياسي القطري لبنان خاصة خلال الأزمة الرئاسية التي يعاني منها لبنان في السنتين الأخيرتين، إذ تلعب قطر دوراً بارزاً في معالجة هذه الأزمة أكان عبر مشاركتها من خلال السفير القطري في لبنان الشيخ سعود آل ثاني في اللجنة الخماسية، أو من خلال النشاط الدبلوماسي الذي يقوم به السفير لدعم الحلّ الرئاسي وفي دعم مؤسسات الدولة لمنع الانهيار التام.

قطر والاحتلال الإسرائيلي وإعادة الإعمار

تتصدّر القضية الفلسطينية وقضية الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان أجندة قطر منذ سبعينيات القرن الماضي وصولاً إلى الحرب أخيراً على غزّة ولبنان. في لبنان، عملت قطر في هذا الملف تحت ثلاثة عناوين رئيسية: الأوّل دعم المقاومة في الدفاع عن الأرض ضد الاحتلال الإسرائيلي. الثاني، العمل الدبلوماسي للضغط على إسرائيل لتطبيق القرارات الدولية، لا سيّما في ما يخص قرار مجلس الأمن 425 عبر المطالبات المتكررة لضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي من دون قيد أو شرط. أما الثالث، فهو المساعدات المالية والإنسانية وإعادة إعمار الجنوب اللبناني منذ الثمانينيات. ففي عام 1980، قدّمت قطر معونة قدرها 250 ألف دولار لإغاثة المنكوبين في جنوب لبنان، ودعا أمير قطر الأمم المتحدة إلى "حزم أمرها وإلى اتخاذ التدابير الإيجابية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأمة العربية" مضيفاً أن "عودة الهدوء إلى جنوب لبنان والحفاظ على وحدة لبنان شرطان لا بدّ منهما لإقرار السلام في المنطقة"[5]. وفي عام 1993، صرّح وزير الخارجية القطري آنذاك أن "قطر ستساهم في إعادة إعمار لبنان"، كما تمّ تشكيل في العام نفسه لجنة قطرية-لبنانية لدعم إعادة إعمار لبنان.

ولعلّ الزيارة التي قام بها أمير قطر آنذاك، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى لبنان في عام 1999 تؤكد الأهمية التي توليها قطر للبنان، إذ أعاد الأمير تأكيد  الدعم القطري للبنان اقتصادياً وسياسياً من خلال دعم مؤسسات الدولة ماديّاً وعينيّاً، كما شدّد على حقّ لبنان في مقاومة العدوّ الإسرائيلي. بعدها بعام، أي في عام 2000، قام الشيخ حمد بزيارة رسمية ثانية إلى لبنان للتهنئة بتحرير الجنوب والبقاع الغربي بعد الانسحاب الإسرائيلي.

تتصدّر القضية الفلسطينية وقضية الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان الأجندة القطرية منذ سبعينيات القرن الماضي وصولاً إلى الحرب أخيراً على غزّة ولبنان

وفي عام 2006، كانت قطر المساهم الرئيسي في عملية إعادة الإعمار في جنوب لبنان، إذ تكفّلت بإعادة تأهيل وبناء البنى التحتية، المباني الحكومية، كل المدارس العامة والخاصة، بالإضافة إلى دفع تعويضات مباشرة عن المتضرّرين في عدد من قرى الجنوب، بالإضافة إلى ترميم وإعادة إعمار دور العبادة المسيحية والإسلامية في كل مناطق الجنوب، بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات والمحال التجارية والأسواق. وفي الحرب أخيراً على لبنان وغزّة، برزت مواقف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المطالبة في كل المحافل الدولية بوقف العدوان على لبنان، بالإضافة إلى دور قطر في الوساطة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

الدعم الاقتصادي: نهضة مؤسّساتية شاملة

يشكّل الدعم القطري الاقتصادي للبنان المفاجأة الكبرى في مسيرة الحضور القطري الطويل والمستمرّ في لبنان، فمن يبحث في طبيعة المشاريع الاقتصادية والتنموية التي حاولت القيادة القطرية تطبيقها مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة، يجد أن ما جرى تقديمه للبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1975 وصولاً إلى يومنا يشكّل مشروعاً نهضوياً متكاملاً في القطاعات كافة (بالإضافة إلى المساعدات المالية والعينية لمؤسسات الدولة). وهنا يبرز السؤال الأهم والأوحد ربما حول أسباب عدم تطبيق أو استكمال هذه السياسات أو الاستراتيجيات من الدولة اللبنانية، ما يفتح النقاش حول ضرورة إعادة إنتاج السلطة السياسية في لبنان بعيداً عن كل أركان الطبقة القديمة حتى يستطيع لبنان إتمام الإصلاحات اللازمة والمضي في مسيرة بناء مؤسسات دولة فاعلة.

عملت قطر منذ بداياتها على خطة ممنهجة تقوم على إبرام الاتفاقيات ووضع البروتوكولات مع الدولة اللبنانية لوضع الأسس الصحيحة للمشاريع التنموية بين البلدين. ولعلّ من أبرز الاتفاقيات أو البروتوكولات التي جرى توقيعها مذكرة التعاون الزراعي والعمل البلدي والقروي في 1997. فلو طبّق لبنان هذا المشروع، لأصبح رائداً في الشأن البلدي، وفي مجال البحوث العلمية الزراعية وتطوير الصناعة الغذائية ومكافحة الجفاف والتصحّر واستصلاح الأراضي وتنمية استغلال الموارد المائية والثروات الطبيعية كافة. وفي عام 2000، تمّ توقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي حول الاستيراد والتصدير بين البلدين وهي استكمال للأسس التي وضعت في تشرين الثاني عام 1991، ما يشير إلى اعتماد القيادة القطرية نهج الاستمرارية المؤسساتية.

يشكّل الدعم القطري الاقتصادي للبنان المفاجأة الكبرى في مسيرة الحضور القطري الطويل والمستمرّ في لبنان 

ومنذ عام 2001، تقدّم قطر العروض حول مشروع تزويد لبنان بالغاز، إضافة إلى الاستفادة من تجربة قطر في خصخصة الكهرباء. في عام 2004، دعمت قطر لبنان عبر وضعه على لائحة الدول النفطية، إذ أعلن وزير الطاقة والصناعة القطري آنذاك عبد الله بن حمد العطية أن قطر من خلال رئاستها لمنظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) اقترحت قبل عام أن تنعقد الدورة القادمة للمؤتمر في لبنان وقد وافق الأعضاء. (المنظمّة لا تعقد اجتماعاتها خارج فيينا أو في دولة غير الدول الأعضاء).

 وفي عام 2005، أُبرم تفاهم قطري لبناني لإعادة البحث في هذا المشروع، حيث طرحت قطر مرة جديدة فرصة إعادة "فتح مسرب لوصول الغاز إلى لبنان، يساعد بشكل خاص في مجال الكهرباء". وفي العام نفسه، صرّح وزير الطاقة والصناعة القطري، عبد الله بن حمد العطية، أن قطر وقّعت مع لبنان "اتفاقية بالأحرف الأولى لدراسة اقتصادية لبناء مصفاة عالمية في لبنان، وهذه المصفاة ستبلغ استطاعتها إذا اتفقت الدراسة الاقتصادية على ذلك، تكرير بين مئتي ألف و350 ألف برميل، وهي من أكبر مصافي العالم، وهذا الحجم ليس موجّهاً إلى السوق المحلي اللبناني فقط بل أيضا إلى الأسواق الأوروبية". وفي عام 2007، وعلى الرغم من عدم استفادة لبنان الرسمي آنذاك من الفرصة القطرية، إلا أن الدوحة أبدت تجاوباً للطلب المقدّم من لبنان للمرّة الثالثة لاستكمال "الجهود من أجل مشروع إنشاء مصفاة للمشتقات النفطية في لبنان."[6] وفي عام 2022، أجرت قطر عبر "شركة قطر للطاقة" (الشركة المملوكة للدولة) محادثات مع الدولة اللبنانية للاستحواذ على حصة 30% في منطقة الاستكشاف البحرية.  

وفي عام 2001- 2002، عملت قطر على الاستثمار في قطاع الاتصالات في لبنان من خلال مشروع ربط البلدين بكابل بحري، وتخفيض كلفة التخابر بين البلدين، وتبادل الاستثمارات وتعزيز العلاقات في هذا المجال. كما برز اهتمام قطري في الاستثمار في قطاعات عدة كالعقارات والأسهم والسندات والإعلان والسياحة والتعليم والثقافة والرياضة والصناعة. 

فرصة متجدّدة

عند مراجعة السياسة القطرية للبنان وتصريحات المسؤولين فيها، يعبّر القطريون عن حبّهم وعاطفتهم للبنان بصرف النظر عن سياسة قطر الخارجية في دعم الدول. وللمفارقة، يعيد القطريون عند كل استحقاق تذكير اللبنانيين أنفسهم عن دور بلدهم المهمّ في المنطقة وعلى ضرورة استعادته هذا الدور بتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية والانقسامات. وقد نجحت قطر في أن تكون لاعباً أساسياً جامعاً في الملف اللبناني المتشابك داخلياً وخارجياً. ومنذ انتهاء الحرب الأهلية، قدّمت مشاريع داعمة للبنان تشكّل خريطة طريق لتطوير القطاعات المنتجة لا سيّما الزراعة والصناعة والتعليم لا يتّسع المقال لعرضها جميعها بالتفصيل. ومع التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، لا يمكن إلا أن تشكّل قطر عنصراً رئيسياً في مستقبل لبنان عبر مساعدته على إعادة ترميم مؤسساته وتفعيل كلّ المشاريع التي لم تنفّذ بسبب الفساد وسياسة الارتهان الخارجية المعهودة، وهذا بالطبع يتطلّب قراراً داخليّاً وتفعيلاً لحضور الوجوه والطاقات الجديدة التي لا ترتبط بأي فريق أو محور ضد آخر. فهل يستفيد لبنان من هذه الفرصة المتجددة في ظل التحوّلات الإقليمية؟

_______________________________


[1] بيان الحكومة القطرية، 5/7/1979

[2] أرشيف صحيفة السفير، 24/6/1986

[3] أرشيف صحيفة السفير، 22/2/1986

[4] El-Hariri, H. (2023). The Sunni Leadership in Lebanon. Case Study: The Emergence of Rafic Hariri 1979-1990. Zamakan Publications, 531 p.

[5] كلمة أمير قطر في افتتاح الدورة الثامنة لمجلس الشورى الوطني (البرلمان).

[6] أرشيف صحيفة السفير

حياة الحريري
حياة الحريري
كاتبة وباحثة سياسية. دكتوراه في التاريخ والعلاقات الدولية. لها: "القيادة السنية في لبنان. دراسة حالة: صعود رفيق الحريري 1979 - 1990)