قضية تايوان والحاجة إلى قانون دولي عادل

قضية تايوان والحاجة إلى قانون دولي عادل

11 اغسطس 2022
+ الخط -

استطاعت جزيرة تايوان أن تتقدّم في أمرين: الدخل العالي للفرد، والنظام الديمقراطي، وهما حلم كل شعوب الأرض. هي أرضٌ صينية، ويقرّ أهلها بذلك، وليس فقط الحزب الشيوعي الصيني، وهو ما اعترف العالم به منذ 1971، ولكن ولأسباب تاريخية، انفصلت الجزيرة منذ 1949 عن البرّ الصيني، وأنشأت نظامها الخاص. يٌضاف لنجاح تجربتها أنّها وحكومة الصين أقامتا علاقات اقتصادية واسعة في العقود الأخيرة، وهذا يسجَل للجانبين. ظلّت هناك مشكلة كبيرة، العودة إلى الصين، المعترف بها وفق قوانين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا يعني أن تايوان تجد نفسها في ورطةٍ كبيرة؛ فهي تَعترف بأنّه ليس هناك إلّا صين واحدة، ولكنها لا تريد الانضواء تحت النظام السياسي الصيني، الشيوعي، والناجح في النهوض الاقتصادي والديكتاتوري في النظام السياسي، وهذا مبعثُ كراهية كبيرة لدى أهل تايوان.

الاعتراف أعلاه بأنّها تابعة للصين تراجعت عنه أميركا في 1979، وأقرّت قانوناً بإقامة مختلف أنواع العلاقات مع تايوان، باستثناء الدبلوماسية، والدفاع عنها. وقد أَرسلت بالفعل أسطولها البحري مرّاتٍ عديدة، حينما كانت تحتدم الخلافات بين تايوان والصين، وهذا يعني ان أميركا في الوقت الذي تناقض نفسها، فتعترف كما كل الدول بصينية تايوان، تطمح إلى استقلال تايوان، كما يرغب بذلك أغلبية سكان تلك الجزيرة، وتُورِّد إليها الأسلحة وبكمياتٍ كبيرة. لم تعد الصين الآن دولة ناهضة، فهي ترى نفسها دولة عظيمة، وهي كذلك بالفعل، وبالتالي، لا يمكنها التساهل مع استقلال مناطقٍ تابعة لها، ويبدو أنها لم تعد تقتنع بدولة واحدة وبنظامين مختلفين، كما الحال مع هونغ كونغ. وفي السنوات الأخيرة، أحكمت قبضتها الأمنية والسياسية على هونغ كونغ، وفقدت الأخيرة استقلاليتها، وديمقراطيتها، والأسوأ إن الولايات المتحدة وبريطانيا اعترفتا للصين بذلك.

تُسمّى تايوان المعجزة الاقتصادية، وهي ككل النمور الآسيوية، تلقت دعماً مالياً أميركياً كبيراً، في فترة الحرب الباردة، وكان ذلك سبباً في نموها الاقتصادي الكبير، ومن أجل منافسة الصين سياسياً. تايوان هذه، وهي 24 مليون نسمة، وبمساحة صغيرة، من أنجح تجارب النمور تلك، ودخلها القومي السنوي يقترب من 600 مليار دولار، وتشتهر بصناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا الدقيقة، ويحتاج العالم بأكمله إلى صناعاتها تلك. ولو أضفنا موقعها الاستراتيجي لأميركا ولليابان وللتجارة العالمية، تصبح السيطرة عليها مسألة ضرورة لصالح الصين، وبذلك تفرض الصين سيطرتها على طرق الإمداد العالمي تلك، وتوسّع سيطرتها على بحارها الجنوبية والشرقية.

مشكلة تايوان في أن القانون الدولي قاصر عن أن يحميها، رغم نجاحها اقتصادياً وديمقراطياً

القانون الدولي مع الصين، والآن هنا تنافس عالمي كبير مع أوروبا وأميركا، وتحالفات كبيرة أيضاً بين الصين وروسيا وإيران ودول أفريقية كثيرة، وما تزال الصين مصنع العالم عقودا كثيرة، وما تزال ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وبعلاقات اقتصادية مع أميركا وأوروبا كثيفة ومتداخلة وكبيرة. القضية الآن، أن ما تطالب به الصين يعدّ من حقوقها السيادية، وبالتالي، تايوان ليست أوكرانيا، فالأخيرة دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، بينما تايوان سُحب منها الاستقلال منذ 1971، وأُعطِي لصين الحزب الشيوعي، وبالتالي، أصبح وجودها منذ ذلك التاريخ تمرّداً على السيادة. للتمرّد هذا أسبابه المتعلقة بالدعم الدولي، وضعف الصين حينها وحاجتها إلى علاقات قوية مع الولايات المتحدة في صراعها مع الاتحاد السوفيتي، ومن أجل تطورها الصناعي.

انتهى ذلك كله، وعادت تقريباً هونغ كونغ إلى السيادة الصينية، فهل يمكن أن تقبل استقلال تايوان؟ سواء زارتها رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، أو لم تفعل، فإن الصين التي تغزو العالم باستراتيجيتها "طريق الحرير الجديد"، وبتريليونات الدولارات، وتقيم العلاقات مع قارّات الأرض فإنها لن تقبل ببقاء تلك الجزيرة مستقلة.

مشكلة تايوان في أن القانون الدولي قاصر عن أن يحميها، رغم نجاحها اقتصادياً وديمقراطياً، ورغم استقلالها الجغرافي أيضاً، فهي تابعة للصين، ولا بد أن تعود إليها؛ هذا الأمر ذاته كانت ستفعله أيّ دولة كبرى.

المناورات التي تجريها الصين بمثابة تمرين على حربٍ قادمة على تايوان

ويظهر عجز القانون الدولي واضحاً إزاء قضايا كثيرة، ولن نتكلّم عن عدم تنفيذ قرارات دولية كثيرة تؤيد الانتقال السياسي السوري، وكذلك تجاه الحقوق الفلسطينية، ومئات القضايا الأخرى، ولم تتحرّك هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن للتدخل من أجل حماية الشعوب ورفع المظلومية عنها. عجز القانون يترافق مع أكاذيب كبيرة، سادت في العقود الأخيرة، وتتحدّث عن عالمٍ واحدٍ، وأننا نعيش في قرية عولمية واحدة. وفي حالة تايوان، الأمر في غاية المأساة؛ فهي دولة ناجحة سياسياً واقتصادياً، ولا معنى للغلو المشكّك بالديمقراطية الغربية في تايوان، والديمقراطية ليست كل شيء، ومن هذه الثرثرات. ذلك النجاح، يُسقِط كل حجّة تريد النيْل من تايوان، وبالطبع، ليس صحيحاً القول إن تايوان تابعة تبعية كاملة للأميركان.

التناقض الذي تعيشه تايوان، يكمن في طموح الصين إلى استعادتها، وهي الدولة القوية، والمسنودة من القانون الدولي، ورغبة أهالي تايوان بالاستقلال ومدعومون برغبة أميركية في ذلك الاستقلال، وتطويق الصين وابتزازها في قضايا دولية كثيرة، وبالتالي، هل ستستمر الولايات المتحدة في دعم ذلك الاستقلال، وهل ستتراجع الصين عن حقها السيادي في تايوان، وهي تسعى إلى أن تسيطر وتهيمن على العالم بأكمله.

المناورات العسكرية، البرّية والجوية والبحرية الصينية، وكردٍ مباشرٍ على زيارة بيلوسي، تقول إن تايوان جزيرة صينية، ولا يحقّ لأيّة دولة التدخل بها، وكل تصريحات الدبلوماسية الصينية تؤكّد ذلك بشكل قاطع. المناورات التي تجريها الصين بمثابة تمرين على حربٍ قادمة على تايوان، وهي تَجري على بعد عدّة كيلومترات منها، وللبحث عن أسرع أشكال السيطرة على تلك الدولة التي تستحقّ الاستقلال الكامل، والاعتراف بالدولي بها، وهذا غير ممكن وفقاً للقانون الدولي، وكل التنديد الأميركي والأوروبي بحرب روسيا على أوكرانيا بسبب استقلال الأخيرة ووجودها دولةً في هيئة الأمم المتحدة، فهل من مصيرٍ آخر لتايوان غير عودتها إلى الصين، سلماً أو حرباً.